المتابعون

الاثنين، 25 يناير 2010

ثقافة الاختلاف


نشأت أغلبية مجتمعاتنا العربية على ثقافة يسود فيها الخلاف، الخلاف بمعنى مخالفة كل ما هو يعارض أفكارنا و تفكيرنا و ميولاتنا. و تجد ثقافة الإختلاف تلك إلى جدورنا و موروثنا القبلي و الأسري، بحيث تتجدر هاته الثقافة الرجعية و السلبية في محيطنا و بيئتنا العربية و ترسخت في اللاشعور العربي نتيجة للتخلف و التأخر الذي عرفته مجتمعاتنا على مختلف المجالات في العقود الأخيرة، و ذلك نتيجة عوامل داخلية و خارجية. و يرجع سبب ثقافة الخلاف التي نعاني منها كشعوب عربية إلى الأنظمة القبلية التي سادت و لا تزال سائدة في بعض الدول العربية بالإضافة إلى الزعامات السياسية الأحادية و المهيمنة و الديكتاتورية التي حكمت و لا يزال معظمها يحكم دولنا العربية. الشيء الذي جعل معظمنا يتبنى ثقافة الخلاف و يرفض الإختلاف شكلا و مضمونا.

حتى داخل الأسر نجد هيمنة كبير العائلة على بقية افراد الأسرة في اتخاد القرارات و إصدار الأحكام و حتى في فرض أفكاره و جعلهم يتبنوها دون السماح بمناقشتها و إبداء الرأي فيها، وهكذا يقلد الأب الجد في السير على منوال والده و الإبن مع إبنه حتى انتشرت العدوى في المجتمع كانتشار النار في الهشيم.

كما يرجع ذلك إلى عدم اتباع سيرة رسولنا محمد عليه الصلاة و السلام و الذي كان يؤمن بثقافة الإختلاف و التي هي مناقضة لثقافة الخلاف حيث أنه كان عليه الصلاة و السلام يشاور حاشيته و يستشيرهم و يأخذ بآرائهم و مقترحاتهم و الأمثلة على ذلك كثيرة.

أما في زمننا هذا فلكبير العائلة و لمن هو أكثر منا منصبا و جاها الحق في قبول و رفض أي شيء. و كلامه مقدس و لا يصح مناقشته أو حتى إبداء ملاحظة على كلامه أو أعماله و قد يكون مصير الفرد السجن و في بعض البلاد العربية القتل إن تفوه برأي مخالف أو مناقض لكلام الزعيم. وهذا ما يجعل مجتمعاتنا أغلبها فاقدة لروح المبادرة و للإنتاج الفكري و الثقافي و الفني بالإضافة إلى استفحال مظاهر الإجرام و القتل و الإرهابولذلك آثار سلبية على تنشئة أطفالنا و نموهم الفكري و القيمي نتيجة لترعرعهم في ثقافة خلافية تجرم و تكفر و تقصي كل من سولت له نفسه مناقشة كبيرنا من الأب إلى الحاكم. ونجد عكس ذلك في الدول المتقدمة و الديمقراطية، حيث أن الطفل يغرس فيه ثقافة الإختلاف و النقاش و المساءلة، و توفر له كل الإمكانيات لينشأ في بيئة سليمة تعترف به و بأفكاره و تشجعه على التميز و الإختلاف. كما يتم تلقينه احترام الرأي الآخر و اعتبار الإختلاف في الأراء و المعتقد و الفكر من سنن الحياة و من طبيعة الكائن البشري.

فثقافة الإختلاف إذن تعني احترام كل وجهة نظر و رأي و اختيار مخالف لأرائنا و أفكارنا و اختياراتنا و سماعه و مناقشته في أجواء يسود فيها الإحترام و الهدوء و سعة صدر و ذلك بفسح المجال لصاحبها للتعبير عنها و شرحها. فكما هو معروف، فاختلاف الآراء و الأذواق و الأفكار رحمة و قد تكون سبب ازدهاز المجتمعات و اغتنائها. أما الخلاف فهو يسبب في تحجر المجتمعات و تخلفها و جر الويلات عليها.


أنا من المؤمنين بأن الصورة – أي صورة – يجب أن ينتظر إليها من عدة زوايا لا من زاوية واحدة. وأنا من المؤمنين أيضا بأنه لا يوجد إنسان واحد –مهما أوتي من علم وإدراك –يستطيع أن يدعى بأنه يمكن الإحاطة بصورة واحدة من كل زواياها . وإذا وجد من يدعى هذا فهو واهم . وإذا جاء من يفرض علينا الصورة من زاوية واحدة فأقل ما يوصف به أنه مجرم. ومن هنا عظم دور النخبة المثقفة في كل زمان وكذا دور صناع الفكر في كل مكان . إذ علي عاتقهم جميعا تقع مسؤولية إكمال زوايا الصورة عند العامة . وعلي عاتقهم تقع مسؤولية إكمال زوايا الصورة عند بعضهم البعض . وكل من يسعى إلى تقديم اكبر قدر من الزوايا الجديدة للصورة الواحدة فهو قوة من قوى المجتمع الإيجابية التي يجب أن تقدر وتجل . أما المتلقي – أنا وأنت – فما علينا إلا السعي للإلمام بأكبر قدر من الزوايا والرؤى المختلفة للصورة الواحدة وحينما يدرك أي منا قصورا أو خللا عند صاحب رؤية أو صاحب فكر ، فكل ما علينا أن نتحلى بالإيجابية و نعرض تصورنا ورؤيتنا لهذه الزاوية القلقة – من وجهة نظرنا – عند الآخر وليكن الهدف والقصد من وراء كل ذلك أن نكمل ما عنده من قصورأو لنضيف له زاوية غائبة ، أو لنزوده ببعد كان عنه مطموساً على أن يتم كل ذلك في جو من التقدير والاحترام لكل صاحب رأي سواء اتفقنا معه أو اختلفنا إننا بذلك نعمل على نشر ثقافة الاختلاف في مجتمعاتناوعلى القاعدة العريضة في المجتمع أن تنمي ثقافة الاختلاف فيما بينهما وعلينا جميعا ألا نصدر أحكاما إعدامية على الزوايا الجديدة ، والرؤى المختلفة ، والآراء المبتكرة بل نربي أنفسنا - ومن حولنا – على ثقافة الاختلاف فيما بيننا وفى الوقت نفسه نربي مجتمعاتنا على أن كل إنسان – مهما كان – يؤخذ من كلامه ويرد إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم وليكن شعارنا : نتفق فيما اتفقنا عليه ، ويعذر بعضنا بعضا ً فيما اختلفنا فيه وقبل كل ذلك نذكر ونتذكر قول العزيز الحكيم :" لا إكراه في الدين - وهكذا – وبهذه الروح ، وبهذا الفكر تهرب السلبية والتبعية من حياتنا و تظلل الإيجابية مجتمعاتنا إيجابية يستفيد منها ويسعد بها المجتمع بأسره إيجابية ترقى بنا حتى نصل إلى أقرب درجات الكمال وأفضل درجات التصور للأمور من حولنا وعندها نستطيع أن نصدر أحكامنا على أي من الأمور التي تهم مجتمعاتنا بكل شجاعة وأقدام وبعدها نستطيع أن ندلي بآرائنا , وتصوراتنا, واجتهاداتنا لنغير أو نعدل ، لنبدع أو نطور كل جديد يفيد مجتمعاتنا في ظل ثوابتنا العظيمة و في ظل ثقافة الاختلاف

جمع ليكم هذة المادة / الامير امير شهر يار حسن الدين

الجمعة، 15 يناير 2010

الحرية بعيون فلسفية


الحريةبشكل عام: حال الكائن الحي الذي لا يخضع لقهر أو غلبة، ويفعل طبقا لطبيعته وإرادته،و تصدق على الكائنات الحية جميعها من نبات وحيوان وإنسان.[1]من هنا يمكن القول بأن الحرية حق من الحقوق الطبيعية للإنسان، أي حريته في أن يفعل ما يريده هو، لا ما يريده الآخر منه. و تبدو له الحرية بهذا المعنى فعلا لا حدود لها، ورغبات لا بد أن تشبع. و يتصور أن كل منعلأفعاله، هو بمثابة أغلال أو جدار سجن كبير يجدان من حريته.لكن ما يطبع الحرية الإنسانية هو أنها حرية محدودة، فالإنسان هو الكائن الوحيد الذي لا يسير وفق نظام الطبيعة فقط، بل يخضع لحتميات وضرورات وإكراهات نفسية واجتماعية وسياسية...فالتصرف وفق الحقوق الطبيعية "الحريةالمطلقة مثلا" يعني تحول الحق إلى الفوضى إذا وضعنا في الحسبان أن كل واحد له الحق مثلنا.ثم إن القيم الأخلاقية تجعلنا نمتنع من تلقاء دواتنا عن ممارسة بعض الحريات حين لا تنسجم مع القوانين والقواعد والآداب، ثم إن المجتمع الذي يؤسس للحرية، قانونيا وإداريا يضع أيضا القوانين التي تحد من هذه الحريات ...وإذا علمنا بأن ظروفا تحيط بالإنسان وتحد من حريته المطلقة علمنا بأن الحرية ليست شيئا مطلقا بل تصطدم بمفاهيم مناقضة لها، وهذا ما يجعلنا نتساءل عن شروط إمكان الحرية...فما معنى الحرية في ظل الضرورات والحتميات والإكراهات والقوانين والأخلاق؟ هل تعني الحرية أن نفعل ما نريد؟ ما هي حدود حرية الإنسان؟ وإلى أي حد يعتبر حرا؟ وما علاقة الحرية بالقانون؟ هل يعتبر القانون نفي لحرية الإنسان؟
المحور الأول: الحرية والحتمية
إذا كان الإنسان كائنا حرا وفي نفس الوقت كائن يخضع لإكراهات وضرورات وحتميات. هل هذا يعني أن الحرية تتعارض مع الحتمية؟ كيف يمكن تصور الحرية في ظل الحتمية؟ الواقع أن الحرية لا يمكن أن تفهم إلا في ضوء نقيضها، لأنها لو كانت مطلقة لأصبحت كلمة جوفاء لا تعني شيئا و لا تدل على أي شيء. حقا إن بعض الفلاسفة يأبى أن ننسب إلى الحرية مفهوما سلبيا لأنه لا يريد أن تكون الحرية مجرد إنكار للضرورة و لكن من المؤكد أن فهم الضرورة قد يساعدنا على تحديد معنى الحرية.لما اشتد الخلاف في الإسلام بين أنصار الحرية و خصومها ظهرت محاولات جديدة بقصد التوفيق بين القول بإرادة حرة و القول بالقضاء والقدر يقول ابن رشد (إن الله خلق لنا قوى نقدر بها أن نكتسب أشياء هي عبارة عن أضداد، ولكن اكتساب تلك الأشياء لا يتحقق لنا إلى بمواتاة أسباب سخرها الله لنا من خارج فالأفعال المشوبة إلينا تتم بالأمرين معا أعني بإرادتنا وبالأسباب الخارجية) حتى إن ابن رشد سلم بحرية إرادتنا لكنه لا ينكر وجود الضرورة أصلايقول : إذا و رد علينا أمر مشتها من خارج اشتهيناه بالضرورة من غير اختيار و تحركنا إليه. تكون إرادتنا الباطنية معلولة للأسباب الخارجية ليس إلا توكيدا للنظرية القائلة بالقضاء.في إطار إشكال علاقة الحرية الإنسانية مع الحتمية و الضرورة ينفي اسبينوزا الحرية على الفعل الإنساني وعن كافة الأشياء الأخرى و يعتبر المخلوقات جميعها محددة بعلل خارجية بمعنى أنها خاضعة لمنطق الحتمية. وهو لا يعدم حجة يدافع بها عن رأيه : لنتصور مثلا حجرا متدحرجا بقوة خارجية يستمر بعدها هذا الحجر في حركته رغم توقف القوة الدافعة له و هذا الاستمرار هو فعل إكراه بسبب العلة الخارجية. وهب أن هذا الحجر قادر على التفكير ففي هذه الحالة سيعتقد أنه حر في إرادة التحرك لأنه لا يعي سوى الجهد الذي يبذله له ويجهل تماما العلل الخارجية التي تتحكم في فعله حقيقة يقول اسبينوزا : عن النفس لا تنطوي على أية إرادة حرة أو مطلقة بل هي مجبورة على أن تريد هذا أو ذاك بمقتضى علة هي أيضا مشروط بعلة أخرى، و هذه العلة محددة بدور علة أخرى و هكذا إلى مالا نهاية. و هكذا كل ما يحدث في الوجود يرجع في نهاية الأمر إلى تلك العلة الأخرى أي انه يصدر ضرورة عن طبيعة الله المطلقة بيد أن اسبينوزا يقول في موضع إن الإنسان الحر هو ذلك الذي يعمل وفقا لمناهج العقل، فلا يكون سلوكه ناجم عن الخوف من الموت، بل يكون مبعثه الرغبة في الخير رغبة مباشرة و معنى هذا إن اسبينوزا يقول بنوع من الجبرية الخلقية.أما كانط فيعتبر الحرية خاضعة لنوع من أنواع السببية تقوم على القدرة على تأسيس حالة ما تأسيسا ذاتيا و هكذا تقوم الحرية على فكرة متعالية عن التجربة و إذا كان سبب الحرية لازما بنا فإن السبب الطبيعي حسب كانط يقوم على الترابط المنطقي بين السابق و اللاحق. وتجدر الإشارة عند كانط إلى أن الحرية بالمفهوم العلمي تعني الاستقلال في الحكم عن إكراهات ميول الحساسية. حسب كانط إذن إننا خاضعون لقوانين الضرورة في جانبنا الذي يخضعللزمان و يتحقق في عالم التجربة و بذلك فإن أفعالنا مرتبطة ارتباطا ضروريا لما قد تقدمها. و في وسعنا أن نقرر أننا أحرار في طابعنا الخلقي حسنا كان أم رديئا، و نحن الذين نخلق بأنفسنا هذا الطابع الخلقي بفعل حر عال على الزمانبل قد تكون ذاتنا الحقيقية المعقولة هي التي تريد أن تكون خيرة أو شريرة بفعل لا زماني،فتجيء حياتنا الزمنية فتكون بمثابة تغير مرئي عن ذلك لاجتياز الأصلي الذي تحققه الذات المتعالية. و هكذا يقرر كانط أننا أحرار مجبرون فنحن أحرار إذا نضرنا إلى ذاتنا المتعالية على الزمان و نحن مجبرون إذا نظرنا إلى ذاتنا التي تتحقق في الزمان.و في الفلسفة المعاصرة يرفض ميرلوبونتي فكرة الحرية المطلقة كما تصورها سارتر كما يرفض فكرة الحتميات الطبيعية و النفسية و الاجتماعية المعتمدة في العلوم الإنسانية . فالإنسان كائن موضوعي موجود في العالم ومع الآخرين ووجودهم معطى تلقائي محكوم بعوامل تاريخية و نفسية و اجتماعية لكنه في خضم هذه الإكراهات و العوامل المترابطة يستطيع تغيير اتجاه حياته،كما يستطيع أن يمنحها معنى بشكل حر و إرادي، إنها عوامل ليست ضرورة حتمية بل عرضية يمكنها أن تحدث أو لا تحدث.[b]تركيب:[/b]
من خلال ما سبق يمكن القول بأن الإنسان باعتباره كائنا معقدا يتأرجح بين الحرية والحتمية.
المحور الثاني: حرية الإرادة

تتحدد الحرية في مدلولها العام، بأنها الفعل الإنساني غير المقيد، أي أن الإنسانيفعلمايريددون قيد أو شرط. بهذا تكون الإرادة شرط للحرية .وفي هذا الصدد يقول "بوسوية " كلما بحثت في أعماق قلبي عن السبب الذي دفعني إلى الفعل لن أجد فيه غير إرادتي".من هذا المنطلق،هل الحرية هي أن نفعل ما نريد؟ هل الإرادة شرط للحرية ؟ بمعنى آخر هل أفعالنا نتاج لإرادتنا أم أننا ملزمون بها؟في القرن 18 و في إطار علاقة الحرية بالإرادة في ظل مجتمع ديمقراطي نجد أليكسيس دوطوكفيل يعتبر أن حق الإنسان في الحرية كحقه في الحياة، فبقدر ما عنده من إرادة بقدر ما عنده من حرية وهذا ما نجده في كتابه "الديمقراطية في أمريكا "حيث أن المساواة تبعد الفرد عن العبودية ليتمتع بإرادة حرة وآمنة، فالإرادة هي التي تدفعه لممارسة حريته السياسية داخل المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، بعيدا عن الضغوطات التي تفرض عليه من الخارج، و لذلك فإن أليكسيس يميز بين نوعين من الحرية : الحرية النسبية : هو الخلاص من القسر و الإكراه الاجتماعي، و الحر هو الذي يأتمر بما أمره القانون، ويمتنع عمانهى عنه و الغرض في ذلك هو ضمان الاعتراف بحقوق الغير و احترام حرياتهم الإرادية، و هو الطريق الآمن والأطول نحو العبودية.الحرية المطلقة: هو حق الفرد في الاستقلال عن الجماعة التي انخرطفيها، وقد يدفعه هذا الاستقلال نحو الفوضى و التجرد بشكل مفاجئ.
إذا انتقلنا إلى الفلسفة الوجودية، فإن الحرية قد احتلت مركز الصدارة في فلسفة جون بول سارتر، فهو يرى أن الإنسان ليس حرا فقط بل هو الحرية نفسها فالحرية ليست صفة تضاف إلى الطبيعة الإنسانية، و ليس خاصية من خصائصهابل هي نسيج الوجود الإنساني و في هذا السياق يقول :" ليس الوجود شيء يقدم إلي بل أنا أهب الوجود إلى نفسي". و يتأكد هذا الموقف من خلال نصه- الإرادة شرط للحرية-المقتطف من كتاب الوجود و العدم يرى أن الإنسان هو الذي يصنع ماهيته و صفاته بنفسه، فالفرد قادر على صنع ماهيته حسب إرادته الحرة، دون أن تكون لظروف خارجية أو لأي قوة تأثير على حريته، وسارتر أكد حرية الفرد و قدرته على اختيار أفعاله بنفسه، لان الوجود سابق على ماهيته. .لقد ارتبط مفهوم الحرية في الفكر الإسلامي بمسألة الجبر و الاختيار، و هذا ما نجده عند ابن باجة حيث يميز بين نوعين من الأفعال: أفعال اختيارية مرتبطة بالإنسان أيأن الفعل الإنساني هو فعل إرادي واختياري، و هو الذي يحدد بنيته الشخصية فيساعده ذلك على الرؤية والتفكير السليمين و الإصابة في الآراء و الأحكام و أخرى إصرارية مرتبطة بالحيوان أو ما يسميها ابن باجة بالأفعال البهيمية لأن الإنسان كائن عاقل وهذا ما يميزه عن باقي الكائنات أما إذا عدنا إلى الكتاب المقرر و ألقينا نظرة على نصه المقتطف من كتابه"تدبير المتوحد" يتضح أن الفعل الإنساني حسب ابن باجة هو فعل اختياري و هذه ميزة تميزه عن باقي الكائنات. والمقصود بالاختيار – الإرادة - الكائنة في نفسه فالحيوان يتقدمفعله عما يروج في نفسه من أفعال و لذلك فان ابن باجة يرى أن الإنسان يحمل في نفسه ميزتين أساسيتين :- أفعال بهيمية : المتمثلة في اللاإرادية كهروبه من أمر مفزع.- أفعال إنسانية: و المتمثل في الأفعال التي تساهم في إبعاد الأذى عن الغير و هي إرادية.إن ما يميز الإنسان كونه كائن حر ومريد. و بهذا ترتبط ممارسة الحرية بالقيام بما نريد، إلا أن الحرية الإنسانية حرية محدودة ومقيدة بقوانين...فما علاقة الحرية بالقانون؟
[b]المحور الثالث: الحرية و القانون: [/b]

[size=18]الإشكال: ما علاقة الحرية بالقانون؟ هل هما منسجمان أم متعارضان؟ هل يمكن الحديث عن حرية في ظل قوانين ملزمة؟ كيف تتحقق الحرية في مجتمع تحكمه قوانين سياسية؟كإجابة على الإشكالات المطروحة قدم عبد الله العروي تصورا خاصا قام فيه برصده تمظهرات الحرية في تجربتها الواقعية الأولى باعتبارها تجربة الإمكان والاستطاعة بالمعنى المادي، أي القدرة على فعل ما نرغب فيه.بيد أن هذه الاستطاعة تمسي داخل المجتمع مطالبة بأن تقنن بواسطة القانون فيصبح معنى الحرية ها هنا هو السماح للفردبالقيام بما يسمح به القانون، أي ما لا يعرضه للعقاب.هكذا تعني الحرية حسب العروي "مجموع الحقوق المعترف بها للفرد ومجموع القدرات التي يتمتع بها ". ومعنى هذا أن الحرية تقترن بالقانون، وأي محاولة لتجاوز حدود هذا الأخير تؤدي إلى الدخول في صراع مع ممثلي القانون ، مما يسفر عن اتساع حرية الفرد أو تقلصها.لذلك يؤكد العروي على ارتباط مستوى الحرية بمستوى الجماعة والطبقة التي ينتمي إليها الفرد، كما يبين صاحب النص أنه من الصعب تحديد معيار لدرجة الحرية داخل المجتمع، لذلك يصبح مفهوم الحرية أكثر زئبقية عندما يدخل مضمار الحياة المجتمعية والسياسية.لذلك فحضور الدولة مهم لتنظيم العلاقات داخل المجتمع. ولابد من التأكيد على أن مفهوم الحرية عند العروي يرتبط بمفهومي الدولة والعقل، فوجود الحرية يفترض بالضرورة وجود الدولة التي تحتكم إلى القوانين الموضوعة بطريقة عقلانية، ويستوحي العروي تصوره هذا من الفلسفة السياسية عند هيجل عندما يتحدث هذا الأخير عن علاقة الفرد بالدولة حيث تنصهر حرية الفرد في قوانين الدولة وتأسس هذهالأخيرة كضمان للحرية. في هذا ألإطار أي علاقة الحرية بالقانون يطالعنا نص الفيلسوفة الألمانية حنا أراندت المقتطف من كتاب" أزمة الثقافة " الذي تتناول فيه مفهوم الحرية من خلال ربطه بالمجال السياسي، وبالضبط من خلال ممارسة الفرد لحريتهبشكل فعلي داخل الحياة اليومية، آنذاك فقط يمكن للفرد أن يشعر بحريته من خلال احتكاكه بالعالم الخارجي ودخوله في علاقات مع أفراد المجتمع هذا الأخير الذي تحكمه القوانين، ولا يمكن لشعور الفرد الداخلي بالحرية أن يمكنه من لمس المعنى الحقيقي للحرية، فهذه الأخيرة لا تتحقق إلا داخل الحياة العامة المنظمة سياسيا. كما تؤكد أراندت على أن الحرية لا تتحقق داخل المجتمعات الاستبدادية لأنها تمنع ظهور الحياة العامة والتي تعتبرها أراندت شرط أساسي لتحقيق الحرية التي يمارسها الأفراد على مستوى الواقع. فلوجود الحرية لابد من وجود نظام سياسي تحكمه قوانين تعمل علىتنظيم الحياة العامة. هذا الموقف دافع عنه من قبل مونتسكيو حين قال بالنظام السياسي الديمقراطي الذي يسمح للأفراد بالقيام بمايريدون في ظل شروط يضعها القانون، فالقوانين هي التي تنظم العلاقات داخل المجتمع وتضمن الحريات، وهذا النمط من الحرية يوجد داخل الحكومات المعتدلة التي تقوم على مبدأ الجمهورية، هذه الأخيرة تقوم بدورها على الفضيلة، فغايتها هي ضمان الخير الأسمى للمجتمع، وهذا هو الشكل الذي من شأنه حسب مونتسكيو أن يضمن لنا الحرية، إلى جانب تنظيم السلط كي لا تتجاوز أي سلطة القوانين، بمعنى الحد من تعسف سلطة بسلطة أخرى من خلال تقسيم السلطات إلى: سلطة تشريعية تراقب السلطة التنفيذية ،هذه الأخيرة التي تملك حق انتقاد السلطة التشريعية، وهناك السلطة القضائية التي يجب أن تنفصل نهائيا عن السلطة التنفيذية. هكذا حسب مونتسكيو يمكن للدولة أن تضمن الحرية للأفراد ويمكن للأفراد ممارسة حريتهم في ظل القانون.
خلاصـــــــــــــــــــة

تشكل الحرية قيمة يطمح إليها الإنسان، إلا أن المفهوم جد ملتبس. لارتباطه بمفاهيم الضرورة الحتمية، و بإشكالات دينية وفلسفية، وارتباطه في المجال المعرفي والأخلاقي بمفهوم الإرادة. إن الحرية باعتبارها من الحقوق الطبيعة للإنسان تستدعي وجود قوة خارج عنه، إنها حق من الحقوق التي تضمنها القوانين، خاصة وأن الحرية تجربة تعاش في جميع المجالات: السياسي على الخصوص.


منقول

الجمعة، 8 يناير 2010

الشجرة المباركة وأساطيرها

منذ القدم واعتبرت شجرة الزيتون المباركة رمزاً للسلام والحياة والخصوبة، كما اعتبرها سكان حوض البحر المتوسط شجرة مقدسة، حيث تعيش أشجار الزيتون حياة طويلة؛ فيُعتقد بأن حياتها قد تمتد من إلى ألفي عام، أو أكثر من ذلك، وحتى إذا ماتت الساق والأغصان، فإن لشجرة الزيتون المقدرة على أن تنبت من جديد وتعيد الحياة إلى الشجرة مرة أخرى.
وارتبطت شجرة الزيتون بالعديد من الأساطير التي شكلت معتقدات وملامح الحضارات القديمة، فقد كانت بعض تلك الحضارات مثلاً تنظر إلى زيت الزيتون على أنه السائل الذهبي للآلهة، وفي الحضارة الإغريقية القديمة، اعتقد الإغريقيون أنه عندما منحت "أثينا" إلهة الحكمة الإنسانية شجرة الزيتون؛ فإنها تمكنت من الفوز على باقي الآلهة في المسابقة. وقد شوهدت رسوم لشجرة الزيتون في الآثار المصرية القديمة على مقابر الفراعنة، كما أن المصريين القدماء نسبوا الفضل في تعلم الإنسان زراعة الزيتون للإلهة "إيزيس"، وقد عُثر على عبوات تحتوي على زيت الزيتون بين قبور قدماء المصريين خلال عمليات الكشف عن الحفريات الأثرية لهذه القبور.

وحتى الديانات السماوية لم تهمل الإشارة إلى الزيتون وشجرته، ففي الإنجيل ورد ذكر زيت الزيتون في 140 موضعاً، وقد أشار كلٌ من القرآن الكريم والسنة النبوية إلى قيمة زيت الزيتون مرات عديدة، فيروى عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال بأن في زيت الزيتون علاجاً لـ 70 علة، كما نصح عليه الصلاة والسلام بأكله ودهن الجسم به "كلوا الزيت وادهنوا به فإنه من شجرة مباركة".
أما عن سبب وصفها بشجرة السلام، فقد ورد في الكتب التراثية أن حمامة تركت سفينة سيدنا نوح عليه السلام أثناء الطوفان، ثم عادت إليها وهي تحمل غصن الزيتون، وكان ذلك دليلا على نهاية غضب الله على قوم نوح، وأن الزرع بدأ ينبت على وجه الأرض من جديد، ولذلك اعتبر الزيتون رمزا للسلام.
يذكر أن أعداد أشجار الزيتون الموجودة اليوم فوق سطح الأرض تقدر بحوالي 800 مليون شجرة، تتنوع ما بين 400 صنف مختلف من أشجار الزيتون المزروعة في أنحاء العالم.



رسم تراثي يوضح حصاد الزيتون
جمع لكم هذة المادة/ الامير امير شهر يار حسن الدين

الخميس، 7 يناير 2010

نظرة على معنى الثقافة في اللغة والاستعمال


نالت كلمة الثقافة بعض الغموض، وذلك بعد شيوع استعمالها شيوعاً لم نعهده قبل أكثر من نصف قرن، وسبب الغموض الأساسي هو قلّة وضوح معنى الكلمة، أو قلّة التديق فى ذلك، عند كثير ممن يفرطون في استعمالها.فالثقافة اصطلاحاً هي أسلوب الحياة إجمالاً، أي هي النظام الاجتماعي وما له من معتقدات وعادات. والتربية والتعليم هي واسطة من وسائط المحافظة على الثقافة وإيراثها من السَّلف إلى الخَلَف، أي أن الثقافة هي ملك مشترك، والتعليم ملك فردي.



وأرجع الدكتور منصور فهمي (1886 – 1959م) شيوع استعمال كلمة ثقافة، إلى رغبة في إيجاد مقابل في لغتنا، للكلمة الألمانية الاصطلاحية ((كولْتور)) ولكنه لم يقل أن هذه الكلمة لها معنى واضح محدود في اللغة الألمانية، وأن هذا المعنى قد انتقل مع الكلمة إلى عدد من اللغات الأوروبية، لوجود شبه في الاشتقاق بينهما.والأمر على خلاف ذلك في اللغة العربية، ففيها كلمة أصيلة، لها معنى واضح على وجه الحقيقة ووجه المجاز، ولا دخل للكلمة الألمانية، ولا لمعناها فيه، فلا الكلمة ولا معناها انتقلا إلى العربية، وكل ما هنالك أن بعض من تعلموا لغات الغرب من العرب أخذوا يترجمون عنها، وأن الترجمة لم تكن دائماً موفّقة، وأن بعض التشويش الموجود عند كتّاب الانجليز مثلاً في استعمال كلمة (تعليم) و(تهذيب) و(مدنية) و(ثقافة) قد انتقل إلى اللغة العربية، ويظهر هذا التشويش جلياً في بعض ما كتبه سلامة موسى (1888 – 1958م)، فقد قال في كلمة نشرتها مجلة(العصور) إن الثقافة والمَدَنية نظيران، وأن الحضارة تجمع الثقافة والمدَنية. ومثل ذلك ما كتبه الدكتور عبد الرحمن شهبندر (1879 – 1940م): ((لا ثقافة يعتدُّ بها حيث لا حضارة)).فالرأيان لا يثبتان بعد التحقيق والنَّظر.



ولكن لا بدّ لفهم تطوّر معنى كلمة ثقافة، ووصوله إلى حالة الغموض والتشويشالتي وصلها، من البدء بالقاموس. ففي (لسان العرب) مثلاً قوله: ثَقُفَ الرجل ثَقافةً أي صار حاذقاً فطِناً، وفيه أيضاً ثقّفه تثقيفاً أي قوَّم عِوجَه، وأصل ذلك للرماح، ثن أستعير فصار للتقويم الخلقي، كما في قول السيدة عائشة تَصف أباها: ((وأقام أوَدَه بثِقافه)).أما القواميس الحديثة، سواء منها ما ألّفه علماء من العرب كبطرس البستاني (1819 – 1883م)، وسعيد الخوري الشرتوني (1849 – 1912م)، وما ألّفه علماء من المستشرقين كراينهارت دوزي(R.Dozy (1820 – 1883م)، وأدورد وليم لين(1801– 1876م) فإنها تُجيز الاستعارة، فتقول ثقَّف الولد تثقيفاً أي هذَّبَه وعلَّمه.وهذا منشأ التعميم بعد التخصيص* فالتثقيف، والتهذيب، والتأديب، والتعليم، والتربية، أخذت تظهر في آثار الكتَّاب كأنها من المترادفات، فزاد ذلك في التشويش وقلّة. وزاد من الطين بِلّه استعمال كلمة الثقافة حين يقصد الحضارة، أو المدنية، أو التمدّن.ولنضرب على ذلك بعض الأمثلة، ولنأخذ أولاً

كتاب الدكتور طه حسين (1889 –1973) ((مستقبل الثقافة في مصر)). فهذا الكتاب رغماً عن عنوانه، هو تقرير عن التربية والتعليم، والثقافة بمعناها الفني المحدّد لا يتناولها الكتاب إلاّ في سُبْعه الأول، عندما يُقرّر المؤلف أن تراث مصر يُشكّل جزءاً من تُراث البحر المتوسط والغربي، لا من تُراث الشرق.




ولكن طه حسين يستعمل كلمة الثقافة في الكتاب كله، مع أن الظاهر أنه يقصد التربية والتعليم، فمن ذلك توصيته إعطاء الطلاّب الذين يتركون المدرسة قبل إكمال الدراسة دروساً سهلة في المساء حتى يتمكّنوا من ((المضي في الثقافة على مهل))، ويشير إلى إنتهاء الرقابة الأجنبية (البريطانية) على التعليم في مصر فيقول: ((أصبحت اللغة العربية لغة الثقافة))، ويوصي الدكتور طه حسين أن تتولى مصر شيئاً من المسؤولية في نشر التعليم في البلاد العربية ويقول: ((هذا التوسّع في إذاعة الثقافة خارج حدود الدولة المصرية، على حين أنها في أشدّ الحاجة إلى إذاعة الثقافة داخل هذه الحدود)).ومثل آخر على الغموض يرجع إلى مَجمع اللغة العربية نفسه، فقد نشرت لجنة الأدب والفنون الجميلة بعض المصطلحات لمنفعة ((جمهور المثقفين والمشتغلين باللغة العربية))، وظاهر أن المقصود بقول اللجنة ((جمهور المثقفين)) هو جمهور المتعلمين نعليماً كافياً، وكان يجدر باللجنة على كل حال أن لا تميّز بين هؤلاء وبين((المشتغلين باللغة العربية)) لأسباب لا تحتاج إلى بيان.





وهذا مثل آخر. جاء في((السِّجل الثقافي)) لوزارة المعارف المصرية ذكر كتاب عنوانه((الثقافة الزراعية: بحوث مبسطة علمية وعملية في فنون الزراعة)).فهنا جعلت الثقافة فرعاً من فروع التعليم. وكل ما يلزم للاعراب عن المقصود أن يقال((فن الزراعة))أو ((فنون الزراعة)). ومثل ذلك تخصيص الثقافة بنوع من أنواع المعرفة، فيقال ((ثقافة علمية)) أو((ثقافة أدبية))* فقد وجد ((مجمع مصري للثقافة العلمية)) ونشر كتاب بعنوان: ((ثقافة الناقد الأدبي)).ولا حاجة إلى الاقتباس من الصحف والمجلات والدَّوريات، للتدليل على ما أصاب كلمة " ثقافة " على يد كتّابها من سوء، ويكفي أن أختم هذه الأمثلة بذكر محاولة الأستاذ أحمد حسن الزيَّات (1885 – 1968م) انقاذ كلمة الثقافة من هذا السوء، فقد قرأ على مَجمع اللغة العربية في القاهرة مقالة عنوانها: ((حقّ المحدثين في الوضع اللغوي)) وقدّم للجميع بعد ذلك نحو خمسين كلمة تستعمل لمعان غير قاموسية، وكانت كلمة الثقافة أحدها




وقد وافق المجمع على استعمالها كما اقترح الزيَّات، وهذه صورة الموافقة(الثقافة مصدر ثقف: صار حاذقاً، والمحدثون يستعملونها اسماً من التثقيف وهو التعليم والتهذيب، ومنه قول القائل لولا تثقيفك وتوفيقك لما كنت شيئاً، فهي عندهم تقابل لفظ Culture عند الإفرنج)).فهل هذا حلّ لللمسألة* أو إرشاد للكتَّاب؟ بالطبع لا. فالمعنى الواضح لهذا القرار هو ((ثابروا على ما أنتم فيه من عدم التمييز بين التعليم والتهذيبوالتربية والثقافة وكل ما يشتق من كلّ منها)).هذا مع أن القرار لم يذكر كلمةالتربية، واكتفى بكلمة التعليم، لسبب غير ظاهر.ولعل من ترجم اسم منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة من الانجليزية أو الفرنسية، كان أكثر توفيقاً من المجمع اللغوي، فقد أبقى التربية مستقلة عن الثقافة، وبذلك ميَّز بينهما تمييزاً لا غنى عنه. ولكن رغماً عن هذا فالاستعمال لا زال غير دقيق، ومعاني الاصطلاحات المذكورة تدور في دائرة كما تدور القواميس:تعليم معناها ثقافة، وثقافة معناها تهذيب، وتهذيب معناها تربية، وتربية معناهاتعليم، وهكذا إلى ما لا نهاية..


جمع لكم هذة المادة/ الامير امير شهر يار حسن الدين