المتابعون

الاثنين، 25 يناير 2010

ثقافة الاختلاف


نشأت أغلبية مجتمعاتنا العربية على ثقافة يسود فيها الخلاف، الخلاف بمعنى مخالفة كل ما هو يعارض أفكارنا و تفكيرنا و ميولاتنا. و تجد ثقافة الإختلاف تلك إلى جدورنا و موروثنا القبلي و الأسري، بحيث تتجدر هاته الثقافة الرجعية و السلبية في محيطنا و بيئتنا العربية و ترسخت في اللاشعور العربي نتيجة للتخلف و التأخر الذي عرفته مجتمعاتنا على مختلف المجالات في العقود الأخيرة، و ذلك نتيجة عوامل داخلية و خارجية. و يرجع سبب ثقافة الخلاف التي نعاني منها كشعوب عربية إلى الأنظمة القبلية التي سادت و لا تزال سائدة في بعض الدول العربية بالإضافة إلى الزعامات السياسية الأحادية و المهيمنة و الديكتاتورية التي حكمت و لا يزال معظمها يحكم دولنا العربية. الشيء الذي جعل معظمنا يتبنى ثقافة الخلاف و يرفض الإختلاف شكلا و مضمونا.

حتى داخل الأسر نجد هيمنة كبير العائلة على بقية افراد الأسرة في اتخاد القرارات و إصدار الأحكام و حتى في فرض أفكاره و جعلهم يتبنوها دون السماح بمناقشتها و إبداء الرأي فيها، وهكذا يقلد الأب الجد في السير على منوال والده و الإبن مع إبنه حتى انتشرت العدوى في المجتمع كانتشار النار في الهشيم.

كما يرجع ذلك إلى عدم اتباع سيرة رسولنا محمد عليه الصلاة و السلام و الذي كان يؤمن بثقافة الإختلاف و التي هي مناقضة لثقافة الخلاف حيث أنه كان عليه الصلاة و السلام يشاور حاشيته و يستشيرهم و يأخذ بآرائهم و مقترحاتهم و الأمثلة على ذلك كثيرة.

أما في زمننا هذا فلكبير العائلة و لمن هو أكثر منا منصبا و جاها الحق في قبول و رفض أي شيء. و كلامه مقدس و لا يصح مناقشته أو حتى إبداء ملاحظة على كلامه أو أعماله و قد يكون مصير الفرد السجن و في بعض البلاد العربية القتل إن تفوه برأي مخالف أو مناقض لكلام الزعيم. وهذا ما يجعل مجتمعاتنا أغلبها فاقدة لروح المبادرة و للإنتاج الفكري و الثقافي و الفني بالإضافة إلى استفحال مظاهر الإجرام و القتل و الإرهابولذلك آثار سلبية على تنشئة أطفالنا و نموهم الفكري و القيمي نتيجة لترعرعهم في ثقافة خلافية تجرم و تكفر و تقصي كل من سولت له نفسه مناقشة كبيرنا من الأب إلى الحاكم. ونجد عكس ذلك في الدول المتقدمة و الديمقراطية، حيث أن الطفل يغرس فيه ثقافة الإختلاف و النقاش و المساءلة، و توفر له كل الإمكانيات لينشأ في بيئة سليمة تعترف به و بأفكاره و تشجعه على التميز و الإختلاف. كما يتم تلقينه احترام الرأي الآخر و اعتبار الإختلاف في الأراء و المعتقد و الفكر من سنن الحياة و من طبيعة الكائن البشري.

فثقافة الإختلاف إذن تعني احترام كل وجهة نظر و رأي و اختيار مخالف لأرائنا و أفكارنا و اختياراتنا و سماعه و مناقشته في أجواء يسود فيها الإحترام و الهدوء و سعة صدر و ذلك بفسح المجال لصاحبها للتعبير عنها و شرحها. فكما هو معروف، فاختلاف الآراء و الأذواق و الأفكار رحمة و قد تكون سبب ازدهاز المجتمعات و اغتنائها. أما الخلاف فهو يسبب في تحجر المجتمعات و تخلفها و جر الويلات عليها.


أنا من المؤمنين بأن الصورة – أي صورة – يجب أن ينتظر إليها من عدة زوايا لا من زاوية واحدة. وأنا من المؤمنين أيضا بأنه لا يوجد إنسان واحد –مهما أوتي من علم وإدراك –يستطيع أن يدعى بأنه يمكن الإحاطة بصورة واحدة من كل زواياها . وإذا وجد من يدعى هذا فهو واهم . وإذا جاء من يفرض علينا الصورة من زاوية واحدة فأقل ما يوصف به أنه مجرم. ومن هنا عظم دور النخبة المثقفة في كل زمان وكذا دور صناع الفكر في كل مكان . إذ علي عاتقهم جميعا تقع مسؤولية إكمال زوايا الصورة عند العامة . وعلي عاتقهم تقع مسؤولية إكمال زوايا الصورة عند بعضهم البعض . وكل من يسعى إلى تقديم اكبر قدر من الزوايا الجديدة للصورة الواحدة فهو قوة من قوى المجتمع الإيجابية التي يجب أن تقدر وتجل . أما المتلقي – أنا وأنت – فما علينا إلا السعي للإلمام بأكبر قدر من الزوايا والرؤى المختلفة للصورة الواحدة وحينما يدرك أي منا قصورا أو خللا عند صاحب رؤية أو صاحب فكر ، فكل ما علينا أن نتحلى بالإيجابية و نعرض تصورنا ورؤيتنا لهذه الزاوية القلقة – من وجهة نظرنا – عند الآخر وليكن الهدف والقصد من وراء كل ذلك أن نكمل ما عنده من قصورأو لنضيف له زاوية غائبة ، أو لنزوده ببعد كان عنه مطموساً على أن يتم كل ذلك في جو من التقدير والاحترام لكل صاحب رأي سواء اتفقنا معه أو اختلفنا إننا بذلك نعمل على نشر ثقافة الاختلاف في مجتمعاتناوعلى القاعدة العريضة في المجتمع أن تنمي ثقافة الاختلاف فيما بينهما وعلينا جميعا ألا نصدر أحكاما إعدامية على الزوايا الجديدة ، والرؤى المختلفة ، والآراء المبتكرة بل نربي أنفسنا - ومن حولنا – على ثقافة الاختلاف فيما بيننا وفى الوقت نفسه نربي مجتمعاتنا على أن كل إنسان – مهما كان – يؤخذ من كلامه ويرد إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم وليكن شعارنا : نتفق فيما اتفقنا عليه ، ويعذر بعضنا بعضا ً فيما اختلفنا فيه وقبل كل ذلك نذكر ونتذكر قول العزيز الحكيم :" لا إكراه في الدين - وهكذا – وبهذه الروح ، وبهذا الفكر تهرب السلبية والتبعية من حياتنا و تظلل الإيجابية مجتمعاتنا إيجابية يستفيد منها ويسعد بها المجتمع بأسره إيجابية ترقى بنا حتى نصل إلى أقرب درجات الكمال وأفضل درجات التصور للأمور من حولنا وعندها نستطيع أن نصدر أحكامنا على أي من الأمور التي تهم مجتمعاتنا بكل شجاعة وأقدام وبعدها نستطيع أن ندلي بآرائنا , وتصوراتنا, واجتهاداتنا لنغير أو نعدل ، لنبدع أو نطور كل جديد يفيد مجتمعاتنا في ظل ثوابتنا العظيمة و في ظل ثقافة الاختلاف

جمع ليكم هذة المادة / الامير امير شهر يار حسن الدين

هناك 5 تعليقات:

  1. تدوينه دسمه

    واختيار موفق للطرح

    نشأتنا الشرقيه

    فيها الكثير من التناقضات

    التي يجب ان نعي لها

    لنتمكن من استئصالها

    لنسطيع ايجاد بيئه سليمه للجيل الجديد

    تقبل مروري:)

    ردحذف
  2. للاسف

    نحن نرى الاختلاف

    كفر جهل و كل الصفات السيئة

    ردحذف
  3. احييك يا امير
    واقول تزكية لما ذكرت

    انه بات من المؤكد والضروري أن نشر ثقافة الاختلاف والتسامح والتعايش وقبول الآخر المختلف حاجة أساسية وملحة وخاصة في ظل هذه الظروف الحساسة والحرجة التي نمر بها من كافة النواحي التي نحن فيها، ويجب زرع هذه الثقافة في نفوس وعقول الجيل النشء، لأنها تساهم بشكل فعال في خلق جيل واع قادر على تحمل أعباء المسؤولية وقيادة المرحلة القادمة بشكل ايجابي وسليم، لأن مثل هذه الثقافة تشكل ترسيخاً قوياً لمعالم الوحدة الوطنية التي ينبغي بناؤها على أساس من الثقة وبعيداً عن الهواجس وحسابات الربح والخسارة
    لأن الثقافة بشكل عام هي ثقافة إنسانية، لذلك لا توجد ثقافة عديمة القيمة كلياً، أو ثقافة كاملة مكملة تحتكر الحقيقة الإنسانية وتختزل ثراء الوجود وتمتلك حق فرض معاييرها وايديولوجيتها وأجندتها السياسية على الآخرين ، بما في ذلك الليبرالية التي تعيش أبهى أيامها وأكبر انتصاراتها. لذلك نرى بأن السبب الكامن وراء الاستقرار النسبي والغنى الثقافي لمعظم المجتمعات الغربية يعود بالضبط إلى حقيقة أنها لا تعتمد على عقيدة سياسية وحيدة أو وجهة نظر واحدة للعالم

    لك تقديرى

    ردحذف
  4. بوست دسم ورائع

    تحياتى

    ردحذف
  5. السلام عليكم اخي امير

    تحية لك على هذا البوست الجميل اولا

    ودعني اتفق معك في كل ماقلته وزد عليه

    الجهل .. الذي هو اول مدخل من مداخل الفرقه والاختلاف..وهو من مداخل الشيطان ايضا

    ولهذا فضرورة تعليم المجتمع وتوعيته مهمه

    ليس التعليم الاكاديمي بالطبع ولكن التوعيه الثقافيه ..والدينيه بالاخص فهي الاكثر اختصاصا في الاخلاق والقيم

    فهناك للاسف الطبيب الجاهل والمهندس الجاهل الذي لا يدري عن الثقافه شئ ولا عن ادب الحوار شئ

    واشكرك مرة ثانيه على هذه التدوينه الجميله

    وفقكم الله

    ردحذف