المتابعون

الثلاثاء، 24 أغسطس 2010

كتاب فلسفة التاريخ

قبل أن تقع الأحداث، هي بانتظار اللحظة التي ستقع فيها، ولحظة وقوعها تدخل في مكونات الحاضر، وعندما يمر زمان على وقوعها، تصبح شيئا من الماضي، وهذا هو التاريخ، لذا فإن التاريخ يمثل الماضي والحاضر والمستقبل، ورغم أهمية التاريخ لا يزال كـ(علم) يعاني في مواطن عديدة من اشكاليات تمنعه عن الوصول إلى الحقيقة أو التصريح بها، فيرى المختصون أن التاريخ الإسلامي يعيش في أجواء مرتبكة ومشوشة ويرجعون ذلك إلى أسباب من أهمها: ان معظم الذين يكتبون التاريخ يعملون كأفراد لا كمؤسسات مثلما يتطلبه هذا العلم الصعب والمتفرع، كما أن من أخطر المؤثرات السلبية في كتابة الحقائق التاريخية هو تحكم ذات الكاتب والمؤرخ في نسج التاريخ وحسب ما تملي عليه أهواؤه ونزواته الفكرية ومراهقته الانتمائية.

من وسط تلك الأزمة العلمية والمهنية في قراءة التاريخ تبرز أهمية كتاب (فلسفة التاريخ) لسماحة الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي (أعلى الله درجاته) الذي يتناول بدراسة تحليلية في المناهج والآليات التي تبحث في حقائق التاريخ وانعكاساتها على واقعنا المعاش من أجل صياغة المستقبل مؤكداً سماحته (قدس سره) من خلال هذه الدراسة التفصيلية أن موضوع التاريخ لمفرده هو علم مستقل ولمجموعه يدخل في نطاق الفلسفة، فالمؤرخ إنما يؤرخ للذين دخلوا التاريخ ولعبوا دوراً فيه.

إن ما يعطي هذا التاب أهمية أكبر رؤية سماحة المؤلف إلى التاريخ التي يستبعد فيها ما يسير عليه بعض الباحثين في التاريخ من إن التاريخ علم يقتصر على الجانبين السياسي والعسكري إذ يرى (قدس سره) أن التاريخ مشهد يستحضر المجموع سواء أكانوا شخصيات أو حضارات أو أدياناً أو حروباً أو غير ذلك.

يؤكد سماحة السيد المؤلف ان التحول في العصر الحديث من تاريخ الأفراد إلى تاريخ الحضارات ليس معناه أن تاريخ الأفراد صار منسياً، لأن الاستفادة العلمية الكاملة لا تكون إلا عبر قراءة الجانبين, وهو ما عليه بعض العلماء, فقد اتخذ هذا الـ ( بعض ) التاريخ والفلسفة معاً معياراً للعلم، فلهم علم التاريخ ولهم فلسفة التاريخ, وهو ما يضفي على الكتاب أبعاداً علمية وقيمية تستقرأ التاريخ علماً ومنهجاً وعبراً ودروساً وتراثاً وحاضراً ومستقبلاً.


مسألة: من الضروري للباحث في التاريخ أن يعرف الفرق بين علم التاريخ وفلسفته)، فالعلم ـ بما هو علم ـ عبارة عن المفردات أو المجموعات السطحية الظاهرة من اقتصادية، أو سياسية، أو اجتماعية، أو تربوية، أو ما أشبه.
أمّا الفلسفة، فهي عبارة عن الروح العامة الدارجة في كلّ ذلك في أي بعد من أبعاد الحياة، مثلاً العوائل هي مفردات لعائلة زيد، وعائلة علي، وعائلة خالد، وهكذا. فالعلم، بأنْ يعلم كلّ إنسان كيف يصنع كلّ واحد مع زوجته وأولاده، وكيف تصنع الزوجة والأولاد مع أبيهم، أو كيف يصنع الأقرباء بعضهم مع بعض، بالنسبة إلى عائلة بني تميم، أو بني كلاب، أو بني ضبّة، أو ما أشبه ذلك.
أمّا الفلسفة، فهي عامّة بالنسبة إلى كلّ العوائل، فيؤخذ في الفلسفة المشتركات بينها، ويترك الخصوصيات حال ذلك حال الجنس أو النوع في الاصطلاح المنطقي. فالمنطقي لا ينظر إلى هذا الفرد الجزئي وتلك ـ كالشاة، أمّا المؤرّخ فهو ينظر إلى كلّ واحدة مفردة عن الأخرى، وإنّما المنطقي يأخذ حال الجزئي ـ الشاة مثلاً ـ بالنسبة إلى النوع، ولذا قال الحاج السبزواري:
فلازم للفيلسوف المنطقي *** أن ينظر اللفظ بوجهٍ مطلق
وليس المراد باللفظ بما هو لفظ وإنما اللفظ بما هو مثال، وهكذا حال الجنس الشامل للجزئيات المختلفة للبقر، والشاة، والمعز، وغير ذلك. وهكذا الحال بالنسبة إلى مختلف الجزئيات لغير الحيوان ـ مثلاً، فتاريخ هذه الشجرة، وتلك الشجرة، علمٌ، أمّا بالنسبة إلى تاريخ المجموع سواء كان نوع البرتقال، أو جنس الشجرة، فهو جنسٌ، وهكذا يكون حال الخاصّ، والعرض العام باصطلاح المنطقيين، فقد يتكلّم حول مال زيد أو قبح عمرو، وهكذا بالنسبة إلى خالد، وبكر، أو غيرهم. أمّا بالنسبة إلى الفلسفي؛ فينظر إلى الجمال في أشخاص جميلين بقول مطلق، أو إلى القبح في هذا وذاك بقول مطلق.
هذا بالنسبة إلى الخاصّة وبالنسبة إلى العرض العامّ هكذا على ما ذكروه في بحث الكلّيّات الخمسة سواء ما ذكروه في الفقه، أو في الفلسفة، أو في الحكمة، أو في غيرها.
والحاصل: أنّ موضوع التاريخ، لمفرده، علم مستقل، ولمجموعه يدخل في نطاق الفلسفة، فالمؤرّخ إنّما يؤرّخ للذين دخلوا التاريخ، ولعبوا دوراً فيه، وحرّكوا مساره، سواء دخلوا التاريخ للإفساد كفرعون(، وهتلر، وستالين، أو دخلوا التاريخ للإصلاح، كما فعل الأنبياء والمصلحون، ولا فرق في ذلك بين الساسة، والقادة، والعلماء، والفلاسفة، والمفكّرين، والشعراء، والمخترعين، وأصحاب الصناعات والحرف.
ولا يقتصر التاريخ والفلسفة على الجانبين السياسي والعسكري، أو جانب ثالث، أو جانب رابع، أو ما أشبه ذلك، بل بالنسبة إلى المجموع من حيث المجموع سواء كانوا شخصيات، أو حضارات، أو أدياناً، أو حروباً، أو غير ذلك، ولذا فلكلّ من العلماء الذين ذكروا المفردات، والفلاسفة الذين ذكروا الروح العامّة للتاريخ، فضلٌ كبير بالنسبة إلى العلم والأجيال الآتية، فإنّ التحوّل في العصر الحديث من تاريخ الأفراد إلى تاريخ الحضارات ليس معناه أنّ تاريخ الأفراد صار منسيّاً؛ لأنّ الاستفادة تكون من الجانبين، فقد يكون بعض العلماء قد اتّخذ التاريخ والفلسفة معاً معياراً للعلم، فلهم علم التاريخ، ولهم فلسفة التاريخ.

كتاب فلسفة التاريخ

المؤلف: الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي (أعلى الله درجاته)

طباعة: دار القارئ للطباعة والنشر والتوزيع.

الناشر : مؤسسة الوعي الإسلامي للتحقيق والترجمة والطباعة والنشر (بيروت – لبنان)

الطبعة : الثانية (1425 هـ - 2005).

القطع : كبير

عدد الصفحات: 398

عدد الطبعات :1

سنة الطبع : 1423 هـ /2002م


لتحميل الكتاب


http://www.alshirazi.com/compilations/history/pdf_zip/falsafa_altareekh.zip

الخميس، 19 أغسطس 2010

الحصار الأكاديمي سلاح لكسر حصار إسرائيل اللاإنساني


في ظل الحرب اللاإنسانية التي تمارس من قبل الكيان الصهيوني على قطاع غزة يصبح من الأهمية إدراك تفعيل وسائل تمارس ضد الكيان الصهيوني لا تفعل حقيقة ضده إلا في أتون حروب مباشرة تستمر لبضعة أيام أو أشهر وينساها الناشطون السياسيون قبل الشارع بقية العام.
ونقطة عدم الاستمرارية أو النفس القصير هي أبرز العيوب التي تلاحق منسقي حملات المقاطعة في العالم العربي؛ وهو عيب لا يوجد في نظيرتها من حملات المقاطعة الغربية التي لا يتوقف ناشطوها حتى نيل مطالبهم؛ وهو ما ينقلهم وفقا لنظريات الاجتماع السياسي من خانة "الاحتجاج" إلى خانة "المقاومة".
فمن أبرز وسائل حرب اللاعنف التي تمارس على إسرائيل من قبل المجتمع المدني هي المقاطعة بجميع أشكالها، من المقاطعة الاقتصادية وحتى المقاطعة الأكاديمية، لكن الأخيرة لم تجد الالتفات الكافي بسبب الانقطاع المعرفي والحضاري التي تعيشه أغلب الدول العربية بالمقارنة بإمكانيات وقدرات الكيان الصهيوني المتواصل حضاريا مع الغرب، وبالتالي صار من الصعب تفعيل سلاح ليس في الأيدي العربية من الأساس؛ وهو ما جعل الأكاديميين الغربيين المناصرين للقضية الفلسطينية يتولون كبر هذا الأمر حتى صارت المقاطعة الأكاديمية لإسرائيل تمثل صداعا مزعجا للمؤسسة العلمية والأكاديمية الإسرائيلية أحد أهم أحجار زاوية الصراع العربي الإسرائيلي، وهو يرصد ضمن نشرة قاطعوا التي تصدرها حملة مقاطعة داعمي "إسرائيل"/ لبنان، ويستضيفها موقع مجلة الآداب مؤقتا.
الأبارتيد الإسرائيلي
بعيد حرب غزة مباشرة انطلقت أول حملة أمريكية للمقاطعة الأكاديمية لإسرائيل والتي حملت اسم "USCACBI"، وهي حملة تبناها مجموعة من الأكاديميين الأمريكيين استلهموا في حملتهم -وفقا لبيانهم الأول- مبادئ حملة المقاطعة ضد نظام الفصل العنصري بجنوب إفريقيا (الأبارتيد) دعما في تقويض العنصرية التي تمارسها إسرائيل ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة؛ حيث دعت الحملة إلى اتخاذ إجراءات عقابية غير عنيفة ضد إسرائيل على غرار تلك التي اتخذت ضد جنوب إفريقيا إبان حقبة نظام التفرقة العنصرية.
كان أقوى رد فعل لهذه الحملة هو قيام مجلس أمناء جامعة "هامبشير" بسحب استثمارات الجامعة من الشركات التي يعرف عنها أنها تنتفع من الاحتلال الإسرائيلي، مثل شركات "كاتربيلر"، و"موتورولا"، و"يونايتد تكنولوجيز"، و"جنرال إلكتريك"، و"آي.تي.تي كوربوريشن"، وكانت المفارقة أن جامعة "هامبشير" كانت هي نفسها أول جامعة تسحب استثماراتها من جنوب إفريقيا خلال حكم التفرقة العنصرية وذلك عام 1977م.
هذه الحملة وغيرها من حملات المقاطعة الغربية تطرح العديد من الأسئلة حول جدوى وأهمية المقاطعة الأكاديمية للكيان الصهيوني، ومدى تأثر الكيان والمؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية بهذا النوع من المقاطعة، ورد فعلها تجاه مثل هذه الدعوات.
المقاطعة الأكاديمية الأولى
في البداية كانت انطلاقة أول حملة مقاطعة أكاديمية لإسرائيل قد بدأت شرارتها من بريطانيا -مع أوج الاجتياحات الإسرائيلية للأراضي الفلسطينية صيف عام 2002- حين بادر أكاديميان يهوديان بريطانيان هما ستيفن وهيلاري روز بنشر رسالة مفتوحة في صحيفة "الجارديان" البريطانية تحمل 123 توقيعا لأكاديميين بريطانيين دعوا فيها مؤسسات الثقافة والأبحاث الأوروبية والقومية التي يمولها الاتحاد الأوروبي، ومؤسسات العلوم الأوروبية إلى فرض عقوبات على إسرائيل، من قبيل قطع التمويل عنها ما لم تلتزم إسرائيل بقرارات الأمم المتحدة، وتبدأ بالتحرك الجدي في المفاوضات السلمية مع الفلسطينيين.
واكتسب هذا التحرك تأييدا كبيرا؛ إذ تحولت الرسالة إلى عريضة تحمل 1000 توقيع من بلدان متعددة، ضمت من بينها توقيع 10 أكاديميين إسرائيليين اثنين من الجامعة العبرية، وثلاثة من جامعة حيفا، وخمسة من جامعة تل أبيب، وأكدت العريضة رفض التعاون الأكاديمي مع المؤسسات الإسرائيلية الرسمية وفيها الجامعات، كما أكدت عدم المشاركة في مؤتمرات علمية في إسرائيل، أو التعاون البحثي، أو إعطاء رأي استشاري، لكنها في الوقت نفسه أشارت إلى أن التعامل مع الأكاديميين الإسرائيليين سيتم على أساس فردي.
ورافق هذا التحرك دعوة أطلقتها "الجمعية الوطنية لمؤسسات الدراسات العليا" في بريطانيا، دعت فيها كل مؤسساتها إلى إعادة النظر في علاقاتها الأكاديمية مع إسرائيل فورا، ولحقت بها جمعية "أساتذة الجامعات" في بريطانيا التي صوتت لمصلحة مقاطعة تمويل الجامعات الإسرائيلية، كما سجل انخفاض كبير في عدد الأكاديميين البريطانيين المشاركين في مؤتمرات في إسرائيل، في حين امتنع عدد منهم عن التعاطي مع أوراق بحثية لأكاديميين إسرائيليين.
ثم توالت المقاطعات الأكاديمية لإسرائيل، وظهرت عدة مبادرات في جامعات أوروبية وغربية أخرى أبرزها نشاطات المقاطعة في الجامعة الأسترالية الوطنية، وجامعة سيدني، وجامعة باريس.
الأكاديميون الإسرائيليون والاحتلال
معروف في إسرائيل أن جدار الفصل العنصري من بنات أفكار علماء الجغرافيا في جامعة حيفا، وخطط له مهندسون معماريون بارزون في المؤسسة الأكاديمية الإسرائيلية، ونفذه مهندسون من معهد "تخنيون"؛ لذا فإن الأكاديميين الإسرائيليين في غالبيتهم يلعبون دورا مباشرا أو ضمنيا في إدامة الاحتلال؛ فهم يشتركون في المشروع الاستعماري عبر عملهم مع إدارة الاحتلال، أو علاقاتهم مع الأحزاب السياسية أو الإعلام، أو تقديم استشارات وأبحاث للحكومة وأجهزتها العسكرية أو الأمنية، أو الخدمة في جهازها القضائي العسكري، أو كأطباء سهلوا عمليات تعذيب السجناء، أو عبر الترويج للاحتلال في أبحاثهم أو محاضراتهم أو منشوراتهم.
تقول كريستين شايد، وهي باحثة أمريكية مهتمة بشأن المقاطعة، تترجم كل ما يتم نشره عن المقاطعة في نشرة "قاطعوا" على موقع مجلة الآداب اللبنانية التي يرأسها زوجها الأديب سماح إدريس رئيس لجنة المقاطعة اللبنانية: "الأكاديميون شأنهم شأن بقية أفراد مجتمعهم، يجلبون القوة البشرية والاعتبار (البرستيج) والدخل وغير ذلك إلى دولتهم، لكنهم أكثر من الأفراد الآخرين؛ فهم غالبا ما يصوغون التبريرات والحجج التي تستند إليها دولتهم، ويصوغون السياسات التي تتبعها، من خلال ارتباطاتها بالعسكر، وبالأحزاب السياسية، وبوسائل الإعلام، وبالاقتصاد، في بناء سياسة التفرقة العنصرية الإسرائيلية وإدامتها وتبريرها".
وتضيف قائلة: "الجامعات الإسرائيلية في بعض الحالات تعزز من وضع المستوطنات، كما هي حالة جامعة بار - إيلان التي توافق على احتساب مواد جامعية ينالها الطالب من جامعات تقع في المستوطنات المخالفة لقرارات الشرعية الدولية، والأسوأ من ذلك كله هو ضلوع أكاديميين أطباء إسرائيليين في تعذيب الفلسطينيين!.
كما تضمنت نشرة قاطعوا مقالا لـ"إيلان پاپه" المؤرخ الإسرائيلي الذي هاجر من إسرائيل، وقدم استقالته قبلها من جامعة "حيفا" بعد أن أعلن كفره بالدولة الإسرائيلية، قال فيه: "المؤسسة الأكاديمية الإسرائيلية تتواطأ مع الاحتلال عبر العلوم الإنسانية التي تقدمها؛ فهذه المجموعة من المناهج توصف عادة بأنها لب الحركة المعادية للاحتلال، والغالبية الواسعة من أعضاء المجتمع الأكاديمي يصادق على الاحتلال من خلال بناء السردية التاريخية والسياسية التي تبرر ذلك الاحتلال.. من الاستشراقيين الذين يشرحون أن الاحتلال هو أفضل طريقة لإدارة "العرب".. إلى المؤرخين الذي يستأصلون الفلسطينيين من وجود فلسطين.. إلى علماء السياسة الذين يقدمون السقالات البحثية لتدعيم نظام "الأبارتيد العنصري" داخل الدولة اليهودية".
إسرائيل ومواجهة المقاطعة
الباحث الإسرائيلي مانفريد جريستين فيلد كتب مقالتين غاية في الأهمية على موقع "مركز القدس للشئون العامة" وهو مركز إسرائيلي للدراسات السياسية والإستراتيجية، المقالة الأولى عن تاريخ المقاطعة ضد اليهود والكيان الصهيوني، والمقالة الثانية بعنوان: "المقاطعة الأكاديمية لإسرائيل وكيفية مواجهتها" والذي تحدث فيها عن أهمية المواجهة الإسرائيلية لمشروع المقاطعة الأكاديمية.
تحدث مانفريد عن مبادرات عديدة وقفت ضد مشروع "المقاطعة الأكاديمية" إنشاء الجامعة العبرية موقعا على الإنترنت يدعو الأكاديميين في أنحاء العالم للوقوف ضد حملات المقاطعة الأكاديمية، وتعاون بعض أصدقاء إسرائيل الأكاديميين لتأسيس الأكاديمية الدولية لأصدقاء إسرائيل (IAFI)، وهي منظمة يرأسها أندرو ماركس، رئيس إدارة الفسيولوجي والبيولوجي في جامعة كولومبيا تسعى لدعم استضافة الاجتماعات العلمية الدولية في إسرائيل، أبرز مانفيرد دور اللوبي اليهودي وأهميته في التأثير على إفشال مشروع المقاطعة نتيجة تنفذه في العالم الغربي.
كانت النقطة الأهم في مقال مانفريد إشارته إلى أن كبر حجم الدور الملعوب في العالم الغربي ضد إسرائيل يرجع لعدة أسباب أهمها: تعاظم تيار "معاداة السامية" والتي يتخفى وراءها -من وجهة نظره- أنصار مشروع المقاطعة الأكاديمية من أساتذة الجامعات، ثانيها: إشارته للهجرة الواسعة للعرب والمسلمين إلى الغرب، وتزايد تيار الكره ومعاداة السامية تحت تأثير تزايد أعداد المسلمين والعرب بالدول الأوروبية والغربية.
أرجع مانفريد أيضا سبب تزايد موجة العداء لإسرائيل إلى نفاذ "الرواية الفلسطينية" داخل المجتمع الغربي خصوصا عند العناصر اليسارية.
العامل الآخر من وجهة نظره هو تزايد "التطرف" في الأوساط الأكاديمية في محاولة لتقويض المجتمع بدلا من الاتجاه للانفتاح المعرفي.
رأى مانفريد أن وقف مشروع "المقاطعة الأكاديمية لإسرائيل" يتأتى عن طريق تنظيم مظاهرات احتجاجية في الغرب ضد رموز ومؤسسات المقاطعة، واستخدام "اللوبيات الصهيونية" ما أسماه: "العلاقات الشخصية" للضغط على جامعات بها أساتذة "أعداء لإسرائيل"، كما وصفهم.
وحث الأكاديميين على الحضور إلى إسرائيل لإظهار دعمهم لها، إضافة لتشجيع محرري المجلات البحثية والعلمية لإدانة المقاطعة الأكاديمية، والضغط أيضا بهذه "اللوبيات" على شخصيات مؤثرة ونافذة لإعلان إدانتها لعمليات المقاطعة، من تلك الشخصيات روت إيفانز وهو أستاذ رياضيات بجامعة كاليفورنيا وأحد من يمثلون وجهة النظر الإسرائيلية والمدافعين عنها، والذي كتب مقالا بموقع الجامعة عنوانه: "ضد المقاطعة الأكاديمية لإسرائيل" ذكر فيه أن إسرائيل قامت بهجماتها على الأراضي الفلسطينية كرد فعل للهجمات الانتحارية ضد المواطنين الإسرائيليين، وبالتالي لا يجوز -من وجهة نظره- معاقبة إسرائيل إزاء رد فعلها على هذه الهجمات.
ثم يأخذ إيفانز القارئ لزاوية أخرى بعيدا عن إسرائيل، حينما يعاتب المقاطعين، ويضع علامة استفهام على دوافعهم من المقاطعة، ويتساءل: لماذا يتم مقاطعة الجامعة العبرية فقط، ولا يتم مقاطعة جامعات صينية، والصين تحتل التبت منذ أكثر من 50 عاما، أو يتم مقاطعة جامعات تركية وهي محتلة لقبرص، أو مؤسسات أكاديمية سورية ونظام الحكم فيها استبدادي ولديها من المعتقلين المئات والمئات؟!
كما اعتبر إيفانز أن المقاطعة الأكاديمية للمؤسسات التعليمية الإسرائيلية هو شكل من أشكال التمييز على أساس الجنسية، مضيفا: "هل من المعقول إذا أراد المعارضون لحركة حماس أن يقاطعوا مقاطعة كل الفلسطينيين من طلبة وهيئة تدريس بجامعة بيرزيت مثلا لمجرد أن هذه الجامعة فلسطينية، من وجهة نظر الذين يرون أن المقاطعة هي مقاطعة مؤسسات وليس أفراد".
مقاطعة الثقافة.. وثقافة المقاطعة
أحمد بهاء الدين شعبان، عضو لجنة تنسيق الحركة الشعبية المصرية لمقاطعة السلع والشركات الأمريكية والصهيونية، والمقرر المؤقت للحركة الشعبية العربية للمقاطعة، اعتبر -في بحث له عرضته نشرة "قاطعوا" بعنوان: "من مقاطعة الثقافة الصهيونية.. إلى ثقافة المقاطعة العربية"- أن اتفاقية كامب ديفيد أولت اهتماما واضحا بإدراج قضايا "التطبيع الثقافي" في مقدمة أشكال التطبيع التي سعت الدولة الصهيونية ومن خلفها وأمامها الولايات المتحدة إلى فرضها على المؤسسات الرسمية المصرية، ومن ثم العربية.
ويضيف: "الرئيس الإسرائيلي إسحاق نافون أكد أهمية هذا العنصر، محددا أن "تبادل الثقافة والمعرفة لا يقل عن أي ترتيبات سياسية وعسكرية".
وقد استشهد شعبان بمقال تم نشره بمجلة "المصور" المصرية عام 1997م عنوانه: "بنيامين نتنياهو.. إعادة تثقيف العرب ضرورة من ضرورات السلام"، جاء فيه أن بنيامين نتنياهو هو من صك "إعادة تثقيف العرب" كتوصيف لهذه العملية التي تستهدف إعادة هيكلة الذاكرة العربية لكي تصبح مهيأة للقبول بالمقولات الصهيونية بعد أن لاحظ أن "مصير العلاقات بين العرب واليهود سيتحدد في المدارس والجامعات، وفي قاعات تحرير الصحف وفي المساجد".
ونبه شعبان إلى نقطة أخرى وهي الانتباه إلى عناصر أسماها "الطابور الخامس الفكري" أو "المارينز الثقافي" لعبت دورا مهما في "القصف التمهيدي" العنيف والمركز من أجل تهيئة الأجواء الضرورية لتقدم المشروع الأمريكي – الصهيوني للهيمنة الاقتصادية والسياسية والعسكرية.
صحفي مهتم بالشأن الثقافي

احمد عبد الحميد

السبت، 3 أبريل 2010

تحول البطل.. من مفتول العضلات إلى مواطن عادي *



لا بد من وجود البطل.. فهو حاجة اجتماعية وثقافية؛ وما يؤكد ذلك هو أن الثقافات التي يشحُّ واقعها بالأبطال الحقيقيين تلجأ إلى اختراعهم جملة وتفصيلاً. فمن ليس عنده عنترة العبسي، يمكنه أن يخترع «سوبرمان».. وعلى الرغم من الفوارق التي لا تعد ولا تحصى ما بين هذين البطلين أو كل الأبطال المنتمين إلى نوعيهما، فإن وظيفة البطل واحدة: ملء فراغ لا يمكن لغيره أن يملأه في ثقافة المجتمع، أي مجتمع، ونظرته إلى نفسه.

ويرتبط البطل في الوعي الجمعي للناس بجملة صفات إيجابية، عاش بعضها قروناً طويلة من الزمن، وتبدَّل بعضها في العصر الحديث بفعل التغيرات الجذرية التي طرأت على حياة المجتمعات أينما كان في العالم بعد الثورة الصناعية، وبشكل خاص خلال القرن العشرين.

ولكن، وبشكل عام، تبقى صفات البطل كامنة في قدرته الخارقة على إنجاز ما لا يستطيع أي كان إنجازه. إنه الشخص المستعد لمواجهة الصعاب حتى حدود التضحية بالنفس من أجل مصالح مجتمعه، أو من أجل الدفاع عن قيمه ومعتقداته، التي غالباً ما تكون منحازة إلى مصالح غالبية الناس من حوله.. فينظر إليه هؤلاء على أنه حاميهم والمدافع القوي عن الآخرين، بعبارة أخرى، على أنه منقذهم.




صورة تحظي بالاجماع

وتشكَّل البطولة طليعة المفاهيم التي تبدأ بالتغلغل في عقل الإنسان منذ طفولته، من خلال قراءاته الأولى لكتب الحكايات، أو حتى منذ قدرته على فهم معانيها وهو يسمعها من ذويه يتلونها عليه قبل النوم. ومهما تقلب مفهوم البطولة في عقل الإنسان عندما يكبر، فإنه يبقي على جوهره التربوي من خلال مجموعة صفات حميدة أبرزها درء اليأس ما أمكن أمام الصعاب، والإيثار الضروري لحسن الحياة في المجتمع.

من النادر أن يكون مجتمع ما قد عرف أبطاله حقيقة عن قرب، أو حتى أن يكون قد عاش في عصر هذا البطل. فالوجدان الشعبي لا يبدو مكترثاً بالحقيقة التاريخية للبطل بقدر ما هو مهتم بصورة هذا البطل كما صاغها الأدب أو الفن، فجردها من عيوبها الإنسانية الصغيرة، وجمَّل ما أمكن تجميله من صفات هذا البطل. ولذا يبدو انبهار الإنسان (وحتى المجتمع ككل) ببطل معيَّن، هو أقرب إلى أن يكون تعبيراً عن تطلعات وأمنيات، منه إلى تكريم البطل الحقيقي لإنجازاته العظيمة. وكأن المطلوب من البطل أن يكون صورة تحظى بالإجماع على احترامها، ويجب على المجتمع أن يرتقي إلى مستواها في مواجهة تحدياته.

يعرِّف قاموس «وبستر» البطل على أنه «شخص أسطوري خرافي، يكون غالباً ذا صفات استثنائية، ويتمتع بقوى أو قدرات خارقة، وهو مقاتل لا يُقهر ويتحلَّى بخصال نبيلة وشجاعة نادرة». كان يمكن لمثل هذا التحديد أن يكون قابلاً للمناقشة لو أنه ظهر في أثينا أيام حربها مع طروادة، أما اليوم، فإننا نقف أمام مفاهيم للبطولة لا تعد ولا تحصى، بدأت بالظهور في أزمنة ساحقة لم يؤرخ لها بدقة، وظلَّت تتقلب حتى يومنا هذا.





الإغريق وتأسيس البطل

يربط الكثيرون نشأة مفهوم البطولة بالحضارة الإغريقية. ولكن هذا الربط ليس دقيقاً تماماً ولا يمكن تبريره إلا بكثرة ما وصلنا من الأدب اليوناني الذي يروي سير أبطال تلك الحضارة، بيغماليون، أخيل، هوراسيو، هيكتور، هرقل.. وغيرهم. ولكن الواقع أن كل الحضارات القديمة مجَّدت أبطالها الأقوياء. فلو دققنا قليلاً في الرسوم الفرعونية والآشورية، لوجدنا ملوكها وفراعنتها يمارسون أعمالاً لا يقوى عليها إلا الأبطال.

ففي مشاهد الصيد مثلاً، نرى الفرعون المصري أو الملك الآشوري يصطاد الأسود بالرمح خلال اشتباك معها، وليس عن بعد، وهذا ما لا يجرؤ أي كان علي القيام به. وحتى في ما يخص المجتمعات الأولى العائدة إلى ما قبل هذه الحضارات، يؤكد علماء الأنثربولوجيا أن قيادة العائلات والقبائل كانت للأقوى، الأقدر في الدفاع عنها، وفي الإتيان إليها بأكبر كمية من طرائد الصيد.

إن الجديد الذي طرأ على البطولة في حضارة الإغريق، كان اكتساح مفهوم البطولة للأدب برمته. فالإلياذة والأويسة والمؤلفات المسرحية اليونانية كلها تقريباً، تدور حول البطولات وسِير الأبطال. وفي هذا الأدب، تأسس المفهوم الأولي للبطل ومقاييسه الذي ظل قائماً في أوروبا حتى القرن التاسع عشر.
إنه الرجل المفتول العضلات، القادر على استخدام السيف بمهارة لا مثيل لها عند أعدائه، وهو الذكي، الشهم، الذي لا يعرف الخوف، يعيش بطولته في كل يوم من أيام عمره، ومآثره سلسلة طويلة من الأعمال المهيبة والمثيرة للإعجاب..

ولكن ليس من الدقة في شيء القول بفضل الأدب اليوناني على ظهور المفاهيم المشابهة للبطولة في ثقافات وحضارات أخرى، ولا حتى على الأرجح، على استمراره في أوروبا حتى القرن التاسع عشر.

فكيف نفسر ظهور أبطال مشابهين إلى حد بعيد لأبطال اليونان القديمة في ثقافات لم تدرس هذا الأدب، مثل عنترة العبسي والزير سالم وسيف بن ذي يزن وغيرهم ممن عُرف عنهم أولاً قوة الساعد ومهارته في استخدام السيف إلى جانب باقة الخصال الحميدة وعلى رأسها الشهامة والترفع عن الصغائر والفخر بالذات وما إلى هنالك؟



من رحم التحديات

إن ما دفع بالقوة الجسدية لأن تكون المقياس الأول للبطولة هو طبيعة التحديات التي واجهتها المجتمعات، وأخطرها على مصيرها كانت الحروب. ولأنه حتى رواج الأسلحة النارية (القاتلة عن بعد)، كان السلاح الأبيض هو أداة القتال الرئيسة، فإن القدرة على استخدامه بمهارة كانت مسألة حياة أو موت لهذه المجتمعات، فمجدت تلك النخبة من المقاتلين الأشداء أكثر من غيرهم، أيما تمجيد، ورفعتهم إلى مرتبة تسمو على التراتبيات العسكرية المتعارف عليها، وسمتهم "الأبطال".

ولأن التحديات العسكرية لم تكن الوحيدة التي تشكِّل خطراً على الناس والمجتمعات، بل كانت هناك الطبيعة بغضبها وضواريها ومشقات سبلها، كان على البطل أن يجمع إلى قوته الجسمية، الذهن المتوقد ذكاءً، الضروري أصلاً لمحاربة الأعداء أيضاً. فالبطل كإنسان مكون من عقل وجسم. أي لا يمكن تقطيعه إلى كتلة عضلات ضخمة يعلوها عقل خامل. إنه إنسان يكرس حياته وأفعاله للدفاع عن القيم التي يؤمن بها أو يسعى إلى نشرها. ولذا، عليه أن يتحلى بهذه القيم، وهذا يتطلب منه أن يكون مفكراً. ومهما طغت براعة وروعة الجوانب الجسمانية والحركية في حياة البطل أو قصته، إلا أن عليه، ليكون بطلاً حقيقياً أن يكون «مفكراً» بالمعنى العملي، كما أن عليه بصفته مثلاً أعلى، أن يتحلى بأهم الصفات الحميدة كما يحددها المجتمع الذي ينتمي إليه. فهل بالسيف فقط حقق أمثال خالد بن الوليد وعمرو بن العاص ما حققوه في ميادين القتال، أم أيضاً بمجموعة القيم الفكرية والأخلاقية الإسلامية التي كانوا يدافعون عنها؟

إن البراعة والقوة في استخدام السيف تتلازم مع الولاء للسلطة السياسية عند البطل الإغريقي أخيل في إلياذة هوميروس، تماماً كما هو الحال عند الفارس دارتاينان في رواية الأديب الفرنسي ألكسندر دوماس «الفرسان الثلاثة» التي ظهرت في القرن الرابع عشر، تماماً كما تتلاءم القوة مع الحب الرقيق والمخلص في سيرة عنترة بن شداد والبطل المتخيل جملة وتفصيلاً «سبايدرمان» كما شاهدناها على شاشات التلفزيون مؤخراً.



بين الصورة والحقيقة

لو قيل لنا من دون كثرة تفاصيل إن أقوى دولة على وجه الأرض أجمعت شعباً وحكومة على اعتبار أحد أبنائها بطلاً قومياً، واحتفت به بصفته هذه، لتخيلنا (حتى اليوم أيضاً بفعل الكثير المترسب في لا وعينا) أنه شاب في الثلاثين أو الأربعين من عمره، مفتول العضلات قام بعمل خارق لا يقوى عليه إلا الجبابرة جسمياً وعقلياً.

ولكن الحقيقة أن هذا البطل هو شخص عادي جداً يميل إلى النحول أشيب الشعر، على مشارف الستين من عمره، إنه الطيار الأمريكي الذي تعطل محركا طائرته بعيد إقلاعها من مطار لاغوارديا في نيويورك قبل أشهر قليلة، فاختار نهر الهدسون ليحط عليه. الأمر الذي أنقذ المسافرين على متن الطائرة من كارثة كانت لتبدو محتمة فيما لو قرر العودة إلى المطار الذي كان قد أصبح بعيداً عنه.

إن رفع هذا الطيار إلى مرتبة الأبطال لا يتضمن مبالغة، ولا هو غير مستحق. بل يكشف عن التحول الكبير الذي طرأ على مفهوم البطولة في العصر الحديث، بعدما غاب السيف عن ميدان المعارك، وحيث لم تعد العضلات تجد مبرراً لتغذيتها إلا في مباريات كمال الأجسام في الأندية الرياضية.

إن البطل اليوم هو شخص عادي جداً، يعيش حياة عادية جداً، ولكنه قادر في لحظة حرجة أن يستنفر كل قواه العقلية وما تيسر له من قوة جسمية (إن تطلب الأمر)، للتصرف بحكمة، ليعود بعدها إنساناً عادياً، تماماً كما فعل هذا الطيار الأمريكي.

ومن الصور الموضحة لمفهوم البطولة في عصرنا، الاستفتاء الذي تجريه شبكة «سي إن إن» التلفزيونية، حيث تدعو مشاهديها إلى اختيار بطل العام من بين عدد من الشخصيات المختلفة، ويكشف التدقيق في منجزات المرشحين أنهم كلهم تقريباً من العاملين في الشأن الاجتماعي مثل: محو الأمية، أو مساعدة المحتاجين، أو التطبيب في الأماكن النائية من البلدان الفقيرة، وما شابه ذلك.



البطل المعاصر

على الرغم من ظهور الأسلحة النارية في القرن السادس عشر، فإن السلاح الأبيض ظل مستعملاً في بعض الحروب حتى بدايات القرن العشرين (الحرب العالمية شهدت معارك عديدة خيضت بالفرسان والخيول والسيوف). ومع ذلك، فإن أبطال السيف اختفوا منذ العصر الوسيط في البلاد العربية، ومنذ عصر النهضة في أوروبا. وإذا لم يكن ظهور السلاح الناري هو من قضى على البطل المحارب، فمما لا شك فيه أنه لا يدعم إحياءه على الإطلاق. فالأسماء اللامعة في الحروب المعاصرة هي أسماء الجنرالات والساسة أصحاب القرار، وليست أبداً أسماء أبطال الميدان الذين قضوا على الكثير من الأعداء. وحتى عندما يقدم الأدب أو السينما أو حتى الاستطلاع الوثائقي صورة بطل ميداني تتوافر فيه كل صفات البطل التقليدي فإننا ننسى اسمه بمجرد خروجنا من صالة السينما أو الفراغ من قراءة قصته.

إن العقلانية التي بدأت تسيطر على نمط التفكير في أوروبا منذ عصر النهضة، وبلغت ذروتها في عصر الثورة الصناعية، غيَّرت مفاهيم كثيرة بتغييرها لحاجات المجتمعات على الصعيد الوجداني.

فالعدو الجديد قد يكون الآلة (كما هو الحال في الطائرة التي تعطلت محركاتها فجأة)، أو قد يكون وضعاً اقتصادياً عاماً، أو قد يكون في عجز فئة اجتماعية كاملة عن الحصول على الطبابة التي تحتاجها، وقد يكون تحدياً علمياً يتطلب قدرات ذهنية غير متوافرة للجميع، ناهيك عن تطلعات الشعوب إلى الارتقاء إلى مستوى شعوب تنعم بأوضاع أفضل.

وقد أسهمت الآداب والفنون (وأحياناً مراكز القرارات السياسية) في صياغة مفاهيم جديدة للبطولة، وتساعدها وسائل الإعلام المتعاظمة نفوذاً، على تعميم هذه المفاهيم وانتزاع الاعتراف العام من المجتمع بصحتها. وهكذا صار هناك أبطال في عوالم الرياضة والسياسة والعلوم والفنون والآداب والعمل الخيري والشرطة والدفاع المدني.. وكلهم أناس عاديون، غالباً ما تتجلى بطولتهم لمرة واحدة في العمر وفي مجال واحد، ليعودوا بعدها بلحظات أناساً عاديين مثلهم مثل غيرهم من أبناء مجتمعهم.




وبقي البطل الخارق

ولكن هذا البطل الحقيقي الذي صارت بطولته تخضع للتدقيق قبل إعلانها، لم يقضِ تماماً على البطل ذي القوى الخارقة المنسوج جزئياً أو كلياً من الخيال، فقد ظل هذا النوع التقليدي من الأبطال حاجة. ولكن واقع الحياة المعاصرة لا يوفر المادة اللازمة لتلبية هذه الحاجة، فهبت الفنون لصناعته.

"سوبرمان" رجل يطير، لا يخترقه الرصاص، يستطيع أن يحمل عمارة، وذو نظر يخترق الجدران، «الرجل الوطواط» رجل يتنكَّر بملابس الوطواط إخفاءً لهويته ليحارب عصابات المجرمين، ومثله «الرجل العنكبوت» وأيضاً الرجل الآلي «غراندايزر»..

كلهم أبطال صاغهم الخيال، للأطفال أولاً، فلقوا القبول نفسه من الكبار. ولا عجب في ذلك، لأن الجريمة ومحاربة المجرمين من أبرز هواجس المجتمعات المعاصرة، وسحق المجرمين الذين يصعب على أدوات العدالة التقليدية القضاء عليهم هو حلم هذه المجتمعات.

هشام عودة

الاثنين، 15 مارس 2010

هل تموت الأيدولوجيا في زمن العولمة؟


يستخدم الإنسان بشكل متكرر أفكارًا ومفاهيم سياسية عند التعبير عن الرأي، أو إبداء وجهات النظر، والمفردات المتداولة في الخطاب العام مليئة بمصطلحات ومفاهيم سياسية كالحرية والعدل والمساواة والحقوق.
بيد أنه وبرغم كون العديد من المفاهيم والمصطلحات السياسية شائعة ودارجة، فإنها لا تستخدم بشكل دقيق أو مع إحاطة كلية وواضحة بمعانيها.
فما هي "العدالة" مثلاً ؟ وما معنى أن نقول: إن الناس سواسية؟ هل يعني ذلك أن يحصل الناس على حقوق متساوية، وفرص متساوية وتأثير سياسي متكافئ وأجور واحدة؟!
وبالمقابل فإن مفاهيم مثل: شيوعي وفاشي يساء استخدامها في وصف المخالف في الرأي، فما معنى أن نصف شخصًا بأنه "فاشي"؟ وما دلالة ذلك؟ وما هي المعتقدات والآراء التي يحملها الفاشيون، ولماذا يحملونها؟ وما الفارق الجوهري بين الشيوعيين والليبراليين والمحافظين والاشتراكيين؟
عند دراسة الأيدولوجية تثور أسئلة رئيسة منها:
أولاً: ما هو الدور الذي تلعبه الأفكار والنظريات في السياسية؟
ثانيًا: ما هي طبيعة الأنساق العقيدية التي تتطور في إطارها هذه الأفكار لتشكل أطروحات متكاملة، أي ما هي الأيدولوجيا السياسية؟
الأفكار ودورها
لا يوجد إجماع بين المفكرين السياسيين على درجة أهمية وتأثير الأفكار والأيدولوجيات، فالسياسة أحيانًا تبدو محض صراع سافر على السلطة لا شأن له بالفكر والفلسفة، وحينئذ تظهر الأفكار كمجرد شعارات دعائية وكلمات جوفاء هدفها الوحيد كَسْب أصوات انتخابية أو الحصول على دعم شعبي، وتصبح الأفكار والأيدولوجيات غطاء يستر خفايا الصراع الدائر في الحياة السياسية، وهذه النظرة للأفكار والأيدلوجية هي التي تبنَّتها المدرسة السلوكية في مجال علم النفس، والتي كان من أبرز روَّادها "جون واطسون" (1878 – 1958م) و"ب.ف. سكينر" (1904 – 1990م)، والتي نظرت للإنسان باعتباره آلة بيولوجية تستجيب لما حولها من مثيرات فحسب، وقضايا التفكير والقيم والمشاعر والنوايا كلها مسائل هامشية في تفسير الظواهر الاجتماعية أو السلوك الإنساني، وهي أيضًا الرؤية التي انطلقت منها المادية الجدلية كأحد الأشكال الحادة للماركسية، تلك المادية الجدلية التي سيطرت على مدارس العلوم الإنسانية والاجتماعية في الاتحاد السوفييتي السابق والمعسكر الشيوعي، لقد اعتبرت هذه الاتجاهات الأفكار والأيدولوجيات السياسية مجرد انعكاس للواقع والعلاقات الاقتصادية/ المادية/ وتعبير عن مصالح الطبقات التي تصوغها، الأفكار إذن في نظرهم ذات أساس مادي ومجرد تعبير طبقي، وليس لها معنى أو دلالة في ذاتها.
غير أن هناك آخرين يرون العكس تمامًا، فالاقتصادي البريطاني الشهير "جون كينز" يذهب إلى أن الذي يحكم العالم أفكار الفلاسفة السياسيين والمفكرين الاقتصاديين التي يستند إليها رجال السياسة والسلطة في ممارساتهم، حتى إن ادعوا أنهم "عمليون" لا شأن لهم بالأفكار المجردة، ففي مقابل اعتبار السلوكية والمادية الجدلية الأفكار مجرد مرآة للواقع، يؤكد رأي كينز أن الأفكار والأيدولوجيات هي مصدر الفعل الإنساني، والعالم تحكمه مجموعة أفكار نظرية وليس مجرد قوى الصراع المادي، وعلى ذلك فالرأسمالية الحديثة نبعت من الأفكار الاقتصادية الأولى لآدم سميث وديفيد ريكادرو، وآلة الشيوعية السوفييتية هي ثمرة لأفكار كارل ماركس ولينين، وتاريخ النازية في ألمانيا لا يمكن فهمه إلا في ضوء الأفكار التي نقرؤها في كتاب "كفاحي" لأدولف هتلر الذي كتبه قبل توليه السلطة.
والحق أن كلا الرأيين متحيز وغير ملائم بمفرده لفهم الحياة السياسية، فالأفكار السياسية ليست مجرد انعكاس سلبي لمصالح ضيقة أو طموحات فردية، بل تحمل قوة وقدرة على التأثير في الفعل السياسي، وبالتالي تغيير الواقع، وفي الوقت ذاته فإن الأفكار السياسية لا تنشأ في فراغ ولا تهبط من السماء كقطرات المطر، بل هي متأثرة بسياقها التاريخي والاجتماعي، وتنشأ وتتطور في إطاره، وتخدم طموحات وتوازنات سياسية قائمة.
وباختصار فإن النظريات السياسية لا تنفصل عن الممارسة السياسية، وأي دراسة متوازنة ورصينة للحياة السياسية لا بد أن ترعى التفاعل المستمر بين الأفكار والأيدولوجيات من ناحية، والقوى المادية والتاريخية من ناحية أخرى، وتؤثر الأفكار والأيدولوجيات في الحياة السياسية بطرق مختلفة، ففي المقام الأول تقدم الأيدولوجيا نسقًا نظريًّا يمكن من خلاله فهم العالم وتفسيره، فالإنسان لا يرى الواقع كما هو، بل يدركه وفق تصوراته وأفكاره الذاتية ومعتقداته، وسواء كان الفرد على وعي بذلك أم لا فإن كل إنسان يتخذ له مرجعية من قيم وأفكار سياسية تحدد سلوكه وتؤثر على أفعاله، فالأفكار والأيدولوجيات إذن تضع أهدافًا كبرى هي التي تؤثر في العقل والنشاط السياسي وتوجهه، وفي هذا الصدد يتعرض السياسيون لنوعين من المؤثرات المختلفة بل والمتناقضة أحيانًا: فلا شك أن السلطة هي هدف رجل السياسة وهو ما يفرض عليه أن ينحو منحى عمليًّا، وأن يتبنى السياسات والأفكار التي تمكنه من حصد الأصوات الانتخابية وإقامة التحالفات مع الجماعات المؤثرة كرجال الأعمال والعسكريين، لكن رجل السياسة في الوقت نفسه له معتقدات وقيم وقناعات بشأن الطريقة المثلى للإدارة السياسية عندما يصل للسلطة، ويختلف شكل التوازن بين الاعتبارات الأيدولوجية والاعتبارات العملية من سياسي لآخر، ومن مرحلة لأخرى في عمر السياسي الواحد، فهتلر - على سبيل المثال - كان ملتزمًا بشكل متطرف ومتعصب لأهداف أيدولوجية معينة كان أبرز سماتها العداء لليهود والتعصب للجنس الجرماني، وتأسيس دولة ألمانية تضم شرق أوروبا، والشيوعيون الماركسيون أمثال لينين أخلصوا لهدف بناء مجتمع شيوعي لا طبقي، لكن في الوقت نفسه لا يوجد سياسي يملك أن تحجب قناعاته الأيدولوجية عينه عن تطورات الواقع ومتطلباته، ولا بد من عقد تحالفات والوصول إلى صيغ حلول وسط إذا كان يريد أن يصل إلى السلطة، ويحتفظ بها، فهتلر لم يُعادِ اليهود بدرجة واحدة من البداية للنهاية، بل حكمت سياساته اعتبارات عديدة في كل لحظة تاريخية، ولينين الشيوعي أقر عام 1921م مجموعة سياسات اقتصادية سمحت ببعث قطاع خاص هامشي في روسيا.. وهكذا.
وعلى جانب آخر نجد أن السياسة في الولايات المتحدة الأمريكية - كما في غيرها من البلدان الأخرى - تشبه فيها الشخصية السياسية السلعة التجارية، فيتم "تسويق" رجل السياسة (أو امرأة السياسة) كشخص له شعارات براقة ومظهر جذاب وأهداف عملية تخدم الجماهير دون إعطاء الأفكار والأيدولوجيات أهمية تذكر، لكن نكرر ثانية أن السياسيين لا يمكن أن يكونوا مجرد آلات باحثة عن السلطة بطريقة عملية براجماتية، فأهمية الأفكار في السياسة الأمريكية لا تظهر بشكل جلي؛ لسبب بسيط هو تقارب حزب الأغلبية الديمقراطي والمحافظ في الرؤية والأهداف والقيم الليبرالية الأساسية، وبالتالي فالشعارات والتمايز يدور حول السياسات العامة والإجراءات لوجود هذا المشترك الجامع من "الأيدولوجية الأمريكية" التي تؤمن بحرية السوق وتعتنق مبادئ الدستور الأمريكي.
وتساعد الأفكار السياسية أيضًا في تشكيل طبيعة وسمت الأنظمة السياسية، تلك الأنظمة التي تتفاوت وتختلف من مكان لآخر، والتي ترتبط بقيم ومبادئ معينة، فتاريخيًّا ارتبط الحكم الملكي بمجموعة قيم ومفاهيم، أبرزها الحق الإلهي للملوك في الحكم، أما في معظم الدول الغربية المعاصرة فيتأسس نظام الحكم على المبادئ الليبرالية الديمقراطية، وتحترم هذه الدول بعض أفكار تقيد الحكومة بقيود دستورية، وتفصل بين السلطات، وتؤمن بفكرة التمثيل السياسي عبر انتخابات حرة نزيهة قائمة على المنافسة.
وبالمقابل فقد تأسست النظم الماركسية/ الشيوعية في السابق على أفكار ماركس ولينين، فسادَها حزب شيوعي أوحد يمثل الطبقة العاملة (البروليتاريا)، وحتى شكل الدولة القومية التي تمسك فيها الحكومة بزمام السلطة، وتحتكر استخدام القوة، والذي ساد في القرن العشرين كان نتاج أفكار سياسية أبرزها فكرة القومية وحق تقرير المصير.
وختامًا فإن الأفكار السياسية والأيدولوجيات تلعب دورًا مهمًّا في خلق التضامن الاجتماعي وتزود الجماعات المختلفة والمجتمع في مجمله بمجموعة معتقدات وقيم تؤدي لتماسكه، هذا رغم أن الأيدلوجيات ارتبطت في التصور العام بطبقات بعينها كارتباط الليبرالية بالطبقة الوسطى والمحافظة بالأرستقراطية الإقطاعية والاشتراكية بالطبقة العاملة، ورغم أن هذه الأيدولوجيات عكست تجارب وخبرات ومصالح فئات اجتماعية بعينها، فإنها أيضًا كانت صالحة لخلق روابط مشتركة بين الطبقات والفئات المختلفة في إطار مجتمع واحد، فعلى سبيل المثال تظل الليبرالية الديمقراطية مظلة أيدولوجيا واسعة تربط الأفراد والجماعات في الغرب، في حين تمثل مبادئ الإسلام وقيمه الرابطة الأساسية بين الأفراد والجماعات في العالم الإسلامي، وحين تسود ثقافة سياسية مشتركة في مجتمع؛ يؤدي ذلك لدعم النظام واستقرار هذا المجتمع.
وهذه الثقافة السياسية المشتركة ليست جامدة، بل هي تتطور وتنمو داخل أي جماعة، لكنها أيضًا قد يتم فرضها من السلطة الأعلى التي تسعى لغرض الطاعة، وتتحكم في الضبط الاجتماعي؛ ولذا فقد تختلف قيم ومفاهيم وأيدولوجيا النخب الحاكمة من عسكريين أو طبقة إقطاعية أو رأسمالية صناعية عن قيم ومفاهيم غالبية الشعب، وقد تستخدم النخبة الحاكمة أدوات الأيدولوجيا لقمع المعارضة، وتحجيم النقاش والجدل الفكري عبر عملية سيطرة أيدولوجية، ويبدو هذا جليًّا في التجارب التي سادت فيها أيدولوجية رسمية معلنة كما في الحكم النازي في ألمانيا أو الحكم الشيوعي في الاتحاد السوفييتي السابق، وفي هذين النموذجين كانت المعتقدات السياسية الرسمية هي التي تسود الحياة السياسية وكافة جوانب الحياة الاجتماعية من تعليم وفنون وإعلام، وكانت الآراء والقيم المعارضة يتم قمعها ومصادرتها. ويرى البعض أن هناك نوعًا من السيطرة الأيدولوجية المستترة يسود بشكل أو آخر في كل المجتمعات، وحتى في المجتمعات الغربية فإن الأيدولوجيا السائدة هي تلك التي تخدم مصالح الطبقة الاقتصادية المسيطرة.
ما هي الأيدولوجيا؟
كثيرًا ما يخلط البعض بين دراسة الأيدولوجية ودراسة الأيدولوجيات، فدراسة الأيدولوجية هي دراسة لنوع من أنواع الفكر السياسي تمييزًا له عن الفلسفة السياسية أو العلوم السياسية، وهو تحليل طبيعة ودور وأهمية هذا النوع أو التصنيف من الفكر السياسي، ويناقش ما هي الأفكار والأطروحات التي ينطبق عليها وصف "أيدولوجيا"، وهل اعتناق الأيدولوجيا يؤدي لعملية تحرر أم عبودية للفكرة؟ وهل يمكن تقويم الأيدولوجيات وفق منطق الخطأ والصواب؟.. وهكذا.
وبالنسبة للأيدولوجيات المختلفة: هل يمكن تصنيف الاتجاه المحافظ والأفكار القومية كأيدلوجيات تكافئ الليبرالية والاشتراكية؟
هذه هي الأسئلة التي تنشغل بها دراسة الأيدولوجيا كنسق من الأفكار والافتراضات والمبادئ يسعى لتقديم إجابات كلية، ويوظف معتنقه طاقته في تحقيقه في الواقع.
أما دراسة الأيدولوجيات - في المقابل - فهي دراسة مضمون الفكر السياسي والنظريات والأفكار التي قدمتها كل أيدولوجية والمقارنة بينها، فما هي الحرية في الفكر الليبرالي؟ ولماذا كانت المساواة هي الفكرة المحورية في الاشتراكية؟ وكيف يدافع الأناركيون عن فكرة مجتمع بلا دولة؟ ولماذا اعتبر الفاشيون الصراع والحروب ظواهر صحية؟
أي أن دراسة الأيدولوجيا هي دراسة في نشأة وتطور واعتناق وتطبيق وديناميكية الأفكار، في حين أن دراسة الأيدلوجيات هي تناول أفكار بعينها وتتبع تطورها ومقارنتها بغيرها.
ولا شك أن البحث في هذا المجال يجب أن يبدأ بدراسة الأيدولوجيا كنسق فكري فاعل والاتفاق على خصائص المنظومة الفكرية التي ينطبق عليها وصف أيدولوجية، حتى إذا ما تم الاتفاق على معايير التصنيف وقبلنا أن هذا النسق أو ذاك هو بالفعل أيدولوجيا، ننطلق إلى دراسة الأيدلوجيات المتباينة وتحليلها والمقارنة بينها.
وهناك سؤال أخير مهام أيضًا.. هو ما الذي نتعلمه أو نستفيده من كون الليبرالية أو النسوية أو الفاشية تصنف باعتبارها أيدولوجيات، وما دلالة هذا للبحث والفهم والتفسير.
سلبية أم إيجابية؟
أول مشكلة تواجه الباحث في طبيعة الأيدولوجيا وماهيتها هي تعدد التعريفات لهذا المصطلح بشكل كبير وأحيانًا متناقض، فهي تُعَدُّ أكثر المفاهيم مراوغة وإثارة للحيرة في مجال العلوم الاجتماعية برمته.
فالأيدولوجيا من المفاهيم السياسية القليلة التي أثارت هذا القدر من الجدل والخلاف، وهناك سببان لذلك، أولاً: لأن المفهوم يجمع جوانب نظرية وعملية ويطرح إشكالية العلاقة بين الفكر والعقيدة من ناحية والسلوك من ناحية أخرى، وكذلك العلاقة بين المعطيات المادية والإدارة السياسية.
وثانيًا: لأن تعريف الأيدولوجيا ذاته لم ينجُ من النزاع بين الأيدلوجيات ذاتها في تعريف المفهوم وملامحه وأبعاده وتشابكاته النظرية والعملية، فقد استخدم المفهوم من جانب الأيدولوجيات المختلفة كسلاح في مواجهة خصومها، ونقد أفكارهم إما باتهامها أنها أيدلوجيات مثالية لا صلة لها بالواقع، أو العكس: باتهامها أنها مجرد أفكار متناثرة لا تشكل أيدولوجيا متكاملة صالحة للتطبيق الشامل لتغيير الواقع أو إصلاحه بشكل كلي.
ولم يكتسب مفهوم الأيدولوجيا طبيعة موضوعية ومحايدة في تحليل الأفكار إلا في النصف الثاني من القرن العشرين، وحتى مع هذه المحاولة لضبطه وإكسابه طبيعة تحليلية رصينة، فقد استمر الخلاف حول الأهمية الاجتماعية والدور السياسي للأيدولوجيا. وتُعَدُّ أكثر التعريفات شيوعًا للأيدلوجية هي أنها..
- نسق عقيدي سياسي
- مجموعة من الأفكار السياسية ذات توجه عملي/ تطبيقي.
- أفكار الطبقة الحاكمة.
- رؤية فئة اجتماعية أو طبقة للعالم.
- أفكار سياسية تعبِّر عن مصالح اجتماعية وطبقية.
- أفكار دعائية توظف لتزييف الوعي بين المستغلين والمضطهدين.
- أفكار تضع الفرد في سياقه الاجتماعي وتدعم الشعور بالانتماء والهوية الجمعية.
- مجموعة من الأفكار يدعمها النظام السياسي بشكل رسمي ويستمد منها شرعيته.
- مذهب سياسي شامل يدعي احتكار الحقيقة.
- منظومة نظرية مجردة ومتماسكة من الأفكار السياسية.
وربما كان أصل المصطلح هو من الأمور القليلة المتفق عليها، فكلمة أيدولوجية بدأ استخدامها إبان الثورة الفرنسية على يد "أنطوان ديستوت دوتراسي" (1754 – 1836م)، واستخدمت لأول مرة بشكل علني عام 1796م، وقد عرف "دوتراسي" الأيدلوجية بأنها علم جديد للأفكار، أي تعريف مرتبط بمعناها الحرفي:
فالشق الأول للكلمة هو مقابل الأفكار idea والثاني مقابل العلم ology.
وقد كان دوتراسي متأثرًا بالولع السائد حينئذ بفكرة العقلانية التي كانت في أوجها مع صعود مذهب الحداثة، ورأى أنه من الممكن موضوعيًّا اكتشاف جذور الأفكار ونشأتها وأن "علم الأفكار" هذا سيتطور؛ ليأخذ مكانه جنبًا إلى جنب مع العلوم المنضبطة كالأحياء والطب وغيرها، بل ولأن كل طرق البحث تتأسس على الأفكار؛ فإن علم الأفكار الجديد هذا سوف يصبح تاج العلوم.
ورغم هذا التقدير للأفكار عند نشأة استخدام مصطلح الأيدولوجيا وعلو الآمال التي كانت معقودة عليه، فإن هذا الفهم والتصور للأيدولوجيا يختلف عن تعريفاتها وتصوراتها اللاحقة وما آلت إليه.
وقد حاول التمييز بين مفهوم جزئي ومفهوم شامل للأيدولوجية، فالأيدولوجيات الجزئية هي أفكار ومعتقدات أفراد بعينهم أو جماعات أو أحزاب، في حين أن الأيدولوجيات الشاملة هي مجمل الرؤية للحياة والعالم لطبقة اجتماعية أو لمجتمع أو لحقبة تاريخية معينة.
وبهذا المعنى فإن الماركسية والليبرالية بل والصحوة الإسلامية يمكن وضعها جميعًا بأنها أيدلوجيات شاملة.
وقد أدى هذا إلى عودة الاستخدام الضيق ذي الدلالة السلبية لمفهوم الأيدلوجية كما يبرز في كتابات "كارل بوبر" (1902 - 1994)، و"هانا أرندت" (1906 - 1975) و"جي . إل. تالمون" و"برنارد كريك" ومنظري (نهاية الأيدلوجية)، والذين رأوا أن الأفكار الشاملة بالضرورة شمولية، فالفاشية والشيوعية مثالان بارزان للأيدولوجية بمعناها القمعي المعادي للحرية، وطبقًا لهذه الكتابات فإن الأيدولوجية هي أنظمة فكرية مغلقة تزعم احتكار الحقيقة وترفض قبول الأفكار المخالفة والعقائد الأخرى، فالأيدولوجية حسب وصفهم هي أديان وضعية تملك طبيعة الشمول، وتستخدم كأدوات في الضبط الاجتماعي، وضمان الخضوع والتواؤم مع السائد، لكن وفقًا لهذا المعيار فإنه ليست كل العقائد السياسية يصلح وصفها بالأيدولوجية، فالليبرالية بتأسسها على الالتزام بالحرية والتسامح والتعدد هي أبرز مثال على وجود نظام مفتوح للأفكار في نظر مفكر مثل "كارل بوبر".
المحافظون أيضا رأوا الأيدولوجية كقرين الجمود والتحجر الفكري وأنها منفصلة عن الواقع المركب للحياة؛ لذا فقد رفض المحافظون أن تخضع السياسة للأيدلوجية، وأن يكون هدف العمل السياسي هو إعادة تشكيل العالم بناءً على أفكار مجردة أو نظريات مسبقة، وقد ظلت هذه هي رؤية المحافظين، حتى بدأ تأثير اليسار الجديد يغير بعضًا منها بعد أن ظلوا لفترة طويلة يتبنون الموقف التقليدي الذي يرفض الأيدولوجيا لصالح السعي العملي في الممارسة السياسية، ويرى في الخبرة والتاريخ – وليس النظرية والفلسفة – أفضل مرشد للسلوك الإنساني.
ومنذ الستينيات من القرن العشرين عاد استخدام مفهوم الأيدلوجية وفق احتياجات التحليل الاجتماعي والسياسي، وتم إعادة تشكيله ليعود للمفهوم طبيعته المحايدة الموضوعية بعد أن زالت الارتباطات السلبية بينه وبين توجهات الأنظمة أو سياسات بعينها.
العلاقة بين الأيدولوجية والحقيقة:
ما هي العلاقة بين الأيدولوجية والحقيقة، وبأي معنى يمكن النظر للأيدولوجية كنوع من القوة؟
يثير أي تعريف قصير مختصر للأيدولوجية من الأسئلة بأكثر مما يقدم من إجابات، لكنه يمثل على أية حال بداية جيدة للبحث في الموضوع.
فلنقبل مبدئيًّا أن الأيدولوجية تعريفها الواسع هي أنها مجموعة من الأفكار المتجانسة بدرجة أو أخرى والتي تمثل الأساسي لحركة سياسية منظمة، سواء أكان هدفها المحافظة على نظام القوى السائد، أو تعديله، أو الإطاحة به.
ولذا فإن كل الأيدولوجيات: (أ) تقدم تصورًا للنظام القائم وعادة ما يتم هذا في صورة رؤية للعالم. (ب) تقدم نموذجًا للمستقبل المنشود أو المجتمع الأفضل/ الصالح. (ج) تصور كيف يمكن أن يتم التغيير.
وهذا التعريف ليس جديدًا ولا مستحدثًا، وهو يتفق مع الاستخدام الاجتماعي العلمي للمفهوم، إلا أنه يلفت الانتباه في الوقت نفسه لبعض أبرز خصائص ظاهرة الأيدولوجية، ويؤكد بخاصة على أن تركيب مفهوم الأيدولوجية يرجع إلى كون المفهوم يتجاوز الحدود الفاصلة بين الفكر الوصفي والفكر المثالي القيمي، وبين النظرية السياسية والممارسة العملية، فالأيدولوجية باختصار تقوم بنوعين من التركيب أو التأليف: التأليف بين الفهم والالتزام، وبين الفكر والحركة.
وبالنسبة للمركب الأول فإن الأيدولوجية تتخطى الفاصل بين "ما هو كائن" و "ما ينبغي أن يكون"، فالأيدلوجية وصفية؛ لأنها تزود الأفراد والجماعات بخريطة فكرية توضح كيف تدور آلة المجتمع، وكذلك تزوِّدهم برؤية للحياة والعالم، وبذا تلعب الأيدولوجية دورًا مهمًّا في دمج الأفراد والجماعات - عبر هذا الفهم - في بيئة اجتماعية ما.
لكن هذا الفهم الوصفي مقترن بقوة بنسق من القيم العقيدية والرؤى العلاجية التي بها يتم تقويم الترتيبات الاجتماعية القائمة وطبيعة المستقبل، والصورة المنشودة للمجتمع في المستقبل.
الأيدولوجية لذا لديها آثار نفسية/عاطفية قوية، فهي وسيلة للتعبير عن الآمال والمخاوف، والميول والنفور، كما أنها تقوم ببلورة العقائد والرؤى، والتعبير عنها بوضوح.
ونظرًا لارتباط الطبيعة الوضعية بالطبيعة الاستشراقية للأيدولوجية فإن الحقائق في ظل الأيدلوجية تختلط بالقيم، ويترتب على هذا عدم وجود فواصل واضحة بين الأيدلوجية والعلم؛ لذا فإنه من المفيد التعامل مع الأيدولوجيات باعتبارها أنساقًا معرفية كما صاغ هذا الاصطلاح "توماس كوون" في كتابه الشهير "بنية الثورات العلمية" (1962م)، فالأيدولوجية يمكن النظر إليها باعتبارها منظومة مبادئ ومذاهب ونظريات تساعد على ضبط بنية عملية البحث العلمي.
وفي الواقع فإن الأيدولوجية تشكل إطارًا يمكن داخله لعملية البحث عن المعرفة السياسية أن تتم وهي تقدم لغة للخطاب السياسي.
والمثال البارز في هذا الصدد هو أن العلوم السياسية عند تدريسها في المجال الأكاديمي - وكذلك علم الاقتصاد - تستند إلى افتراضات المذهب الفردي والمذهب العقلاني، وهما يرتبطان بالتراث الليبرالي.
وتبرز أهمية الأيدولوجية أيضًا كإطار فكري أو لغة سياسية في كونها توضح بجلاء درجة العمق التي يتشكل عبرها الفهم الإنساني.
كذلك من المفيد إلى جانب مقارنة الأيدولوجيات تأمل كيف تتنوع الاختلافات داخل الأيدولوجية الواحدة، فالأفكار متغيرة وتنمو وتتطور، وليست أحجارًا صماء لبناء صلب، وأحيانًا يكون التجادل والنزاع بين تيارات الأيدولوجية الواحدة أكثر حدة ومرارة منها بين أنصار أيدولوجيات مختلفة، ويصبح مركز الخلاف هو ما هي الأيدلوجية "الحقيقية"؟
وأي فريق يمثلها؟ ما هي الاشتراكية "الحقيقية" وما هي الليبرالية "الحقيقية" أو الفوضوية "الحقيقية"؟ ومما يزيد الأمر اختلاطاً وبلبلة أن كل الفرقاء داخل ذات الأيدولوجية أو عبر الأيدولوجيات المختلفة يستخدمون نفس المفاهيم والخطاب ويدافعون، كل من وجهة نظره، عن الحرية والعدالة والديمقراطية والمساواة – وفقاً لتعريفهم هم. وهذا هو ما دفع بعض المفكرين لوصف الأيدولوجية بأنها من المفاهيم الأساسية المتنازع عليها؛ لأن حوله خلاف عميق ولا يمكن بالتالي تطوير تعريف دقيق له.
ورغم ذلك فلا شك أنه لا بد من وجود حد أدنى من الاتفاق والتجانس وحدًّا لمرونة والتنوع، ولا بد من أن توجد نقطة يصبح فيها ترك مبدأ جوهري أو اعتناق نظرية مرفوضة من الأيدولوجية تاريخيًّا بمثابة فقدان للملامح الأساسية للأيدولوجية أو ربما ذوبانها في أيدولوجية منافسة، وهو ما يحدث تاريخيًّا أحياناً.
فهل يمكن أن تظل الليبرالية هي الليبرالية إذا تخلت عن التزامها بالفردية؟ وهل تبقي الاشتراكية هي الاشتراكية إذا نزعت إلى العنف والحرب؟ أو تظل أيدولوجية الحركات الإسلامية "إسلاموية" – كما يسميها البعض قياساً على الأيدلوجيات الأخرى – إذا تنازلت عن تحكيم الشريعة مثلاً؟!
أحد سبل التعامل مع هذه المشكلة هو ما يقترحه مايكل فريدان من تحديد لتشكل الأيدولوجية وبنيتها ومكوناتها وذلك من خلال مفاهيمها الأساسية، ويشبه ذلك التعرف على غرف المنزل من خلال نوع الأثاث في كل غرفة، فكل أيدولوجية تتسم بما يعتبر لب أو جوهر يتكون من عدة مفاهيم أساسية، ثم مفاهيم هامة، وأخيراً مفاهيم هامشية لا يلزم وجودها في النظرية أو المذهب بالضرورة كي يصنف داخل هذه الأيدولوجية.
فانتقاص مكوِّن من مكوناتها قد لا يعني أنها لم تَعُد هي ذاتها، كما أن الزمن يحمل معه مستحدثات وإضافات.
وعلى سبيل المثال يمكن اعتبار الفردية والحرية والعقلانية هي جوهر المفاهيم الأساسية في الليبرالية؛ وغياب أحدها لا ينقص من مشروعية مذهب من المذاهب الليبرالية، لكن غياب مفهومين منهما هو إرهاصة بنشوء بنية أيدلوجية جديدة.
ولكن ماذا يفيدنا ما سبق في فهم العلاقة بين الأيدولوجية والحقيقة؟
فبالنسبة لماركس كانت الأيدولوجية – كما سلف الذكر – هي العدو اللدود للحقيقة، والباطل هو قرين الأيدولوجية؛ لأن الأخيرة هي من صنع الطبقة الحاكمة لتقر واقع الاستغلال والقهر.
ولكن – كما ذهب مانهايم – فإن قبول رأي ماركس بأن الطبقة العاملة (البروليتاريا) لا تحتاج لوهم الأيدولوجية هو في الحقيقة قبول بتصور بالغ المثالية للجماهير العاملة كأكثر فئات البشر التزامًا بالمساواة، ولكن ما قدمه مانهايم من تصور لحل هذه الإشكالية بوجود طبقة مستقلة من المثقفين لم يحل الإشكالية بدوره.
فوجهات نظر البشر تتأثر بشكل واعٍ أو غير واع بعوامل اجتماعية وثقافية، وفي حين يعطي التعليم الإنسان أدوات تمكنه من الدفاع عن هذه الرؤى بطلاقة وقدرة على الإقناع بها، ولكن هذا لا يعني أن وجهات نظر المثقف تكون أقل ذاتية أو أكثر موضوعية من غيرها من الأفكار.
وفي الواقع فإنه لا يوجد معيار موضوعي يمكن بناء عليه اختبار حقيقة الأيدولوجية، بل إن الزعم بأن الأيدولوجية تحتمل الخطأ أو الصواب المطلق، يتعارض مع جوهر الأيدولوجيات وهي أنها مزيج من القيم والأحلام والتطلعات، وأنها بحكم طبيعتها لا يمكن إخضاعها للتحليل العملي، فلا يمكن لأحد أن "يثبت" أن أية نظرية للعدالة هي أفضل من غيرها بالضبط، كما لا يمكن استخدام الوسيلة الجراحية على الإنسان للتأكد – بشكل نهائي وحاسم – من كونه أهل للحرية أو أنه يملك حقوقاً أساسية أو أنه بطبيعته أناني أو اجتماعي!
ففي نهاية الأمر يقل اعتناق الفرد للأيدولوجية أحياناً؛ لأنها ليست دقيقة ولا يمكن إخضاعها للتحليل المنطقي، ولكن على الجانب الآخر قد يزيد تمسك الفرد بها؛ لأنها تعين الأفراد والجماعات والمجتمعات على إعطاء المعنى وفهم العالم الذي يعيشون فيه.
ورغم ما سلف فإن الأيدولوجيات ولا شك تتضمن كشفاً عن حقيقة، ويمكن وصفها بأنها منظومات للحقيقة من خلال ما تزودنا به من لغة خطاب سياسي ومسلمات وافتراضات حول حقيقة المجتمع وما يجب أن يكون عليه، فالأيدولوجية تحدد كيف نفكر وكيف نتصرف، ولا ينفصل تصورها للحقيقة عن مسألة السلطة، ففي عالم يموج بالحقائق المتعارضة والقيم والنظريات المتباينة، فإن كل أيدولوجية تسعى لإعطاء الأولوية لقيم بعينها وتضفي الشرعية على نظريات ومعاني محددة.
ولأن الأيدولوجية تزوِّدنا بخريطة فكرية للواقع الاجتماعي فإنها تساعد في تأسيس علاقة بين الأفراد والجماعات من ناحية، وأبنية وعلاقات القوة والسلطة من ناحية أخرى، وبذلك تلعب دوراً محوريًّا في دعم أبنية السلطة القائمة وتحديد ما إذا كان يمكن اعتبارها عادلة، وطبيعية ومشروعة، أو العكس من ذلك بتسليط الضوء على المظالم وعدم المساواة ولفت الانتباه لضرورة صياغة رؤى لأبنية بديلة للسلطة.
موت الأيدولوجيا
هل ماتت الأيدولوجيا ؟ هل شهدت ذروتها مع الحرب الباردة، ثم مع انهيار المعسكر الشرقي انتصرت الليبرالية وانتهى التاريخ (كما ذهب فوكوياما) وانتهت الأيدولوجيا؟
كان هذا مذهب العديد من المفكرين، مثلما كان رأيهم في انكسار الدين مع الحداثة والتحديث، ولكن كما كانت الصحوة الدينية عبر العقائد المختلفة في كل أنحاء العالم دليلاً على أن الدين والتدين مرتبط بالإنسان ككائن حي اجتماعي/ ثقافي مركب وأنه لا يموت، كذلك تدلنا الشواهد على أن الأيدولوجيات لا تموت؛ لأنها أفكار حول العدالة والحرية وتطلع الإنسان لها عبر مذاهب سياسية شتى، وهذا التطلع لا يموت.



هبة رءوف عزت


كلية الاقتصاد وعلوم سياسية / جامعة القاهرة


الأربعاء، 10 مارس 2010

جوتة وديوان الشرق والغرب


في مايو 1814، ظهرت أولى إصدارات "ديوان الغرب والشرق"؛ ذلك العمل الذي ترسخ وتجذر كلية في الوعي الإسلامي، في محيطه، وفي إدراكاته. لم يكن لهذا لعمل أن يتشكل أو يتكون أو يخرج إلى النور بدون علاقة "جوته" الإيجابية والمتفتحة تجاه الإسلام، التي بدأت منذ صباه، والتي تجلت في أشعاره، وأخيراً التي انبنت على أساس واسع ومتوسع من العلم والمعرفة. وقد أفصحت هذه العلاقة عن نفسها – في سابقة فريدة من نوعها – حينما كتب "جوته" أحد تعليقاته على "ديوان الغرب والشرق" في عام 1816 قائلا:ً "إن مؤلف هذا العمل لا ينفي الفكرة بأن يكون هو ذاته مسلماً". وهي مقولة استفزت معظم الألمان الذين كانوا يعيشون في بلدته، في ذلك الوقت.


ولنفتح سوياً "ديوان الغرب والشرق"، لنرى أول ما واجهنا به "جوته" عن نظرته للعالم والكون:

الشمال والغرب والجنوب سيتمزع
العروش تسقط، والممالك ترتعد
اهرب أنت إلى المشرق النقي
لتتذوق نسمات الدين

ولنلاحظ هنا، أن الافتتاحية "الروحانية" التي بدأ بها "جوته" ديوانه – والتي تتحدث عن الأصالة الدينية في الشرق النقي – تندرج تحت عنوان "الهجرة" (كما ذكرنا سالفاً)، أي ترتبط ببدء هجرة النبي "محمد" إلى المدينة في عام 622 ميلادياً؛ وهو عام تأسيس الدولة الإسلامية، كما هو عام تدشين التاريخ الإسلامي. وكذلك ترتبط الافتتاحية – كما قلنا في السابق – بحادثة "عيد الميلاد"، وهي الليلة التي يُحتفل بها أيضاً بتأسيس عهد جديد في الديانة المسيحية، حيث ميلاد المسيح. وهو أيضاً اليوم الذي شهد أول صلاة جمعة للبشكيك في القاعة البروتستانتية بولاية "فايمر".

ومن المفارقات العجيبة، أن يترعرع "جوته" وأن يتربى في وسط جو أسري بروتستانتي؛ فقد ربته أم شديدة التمسك بالإنجيل، ومن ثم احتسب نفسه من ضمن الجماعات البروتستانتية، المعروفة بتمكنها من معرفة الخط المقدس. وقد يصف "جوته" نشأة المسيحي المتمسك بالإنجيل في "ديوان الغرب والشرق"، فيقول: "إنه ملزم بتلقي تعليم عال لأن عقله مشغول على الدوام بكل ما هو عزيز وكريم". إن التقاء الإسلام مع المسيحية – كما صوره "جوته" في ديوانه – يعبر عن رغبة الشاعر في عبور التناقضات العدائية بين الديانتين؛ وجمع هذين العالمين الروحيين تحت مظلة السلام، أو قل تحت برنامج السلام.




وكذلك يتحدث "جوته" – من واقع تجربته كمسيحي متدين – عن المشاعر الأخوية التي كان يحملها للشاعر الفارسي "شمس الدين حافظ"، وهو المعروف بلقب "حافظ"، ذلك اللقب الشرفي الذي عكس حفظه للقرآن كله، ومن ثم دل على إخلاصه الشديد للإسلام. وقد يفاجأ القارئ هنا بتلك المشاعر، لأن "حافظ" كان يعيش في القرن الرابع عشر الميلادي؛ بلغة أخرى، لقد مات منذ زمن بعيد، أي قرابة أربعة قرون قبل ميلاد "جوته". وبالرغم من ذلك، نجد الأخير يؤلف عنه "كتاب حافظ" – من ضمن كتب "ديوان الغرب والشرق" - الذي تخيل فيه حواراً كاملاً بينه وبين ذلك الشاعر الفارسي. بل إن "جوته" وصفه بكونه "توأم" له. فهل هناك قرابة أشد التصاقاً من قرابة التوائم؟ أليس هذا عجيباً..؟ أن يشعر "جوته" بتلك الأخوة غير العادية – أخوة التوائم – تجاه إنسان مات قبله بأربعة قرون؟ أليس هذا لافتاً للانتباه، ومثيراً للدهشة...أن يحمل "جوته" كل هذه المحبة لإنسان كان بعيداً عنه كل البعد؛ بعد زماني، وبعد مكاني، وبعد لغوي، وأيضاً بعد تقاليدي. باختصار، لقد كتب "جوته" "كتاب حافظ" ليُري القارئ إلى أي مدى يمكن أن تصل حميمية العلاقة بين المسلم والمسيحي. وديوان "جوته" – وكلمة (ديوان) تعني هنا جمع البشر – لم يقتصر فقط على "التوائم" بل امتد ليشمل حوارات متعددة الأشكال بين الغرب والشرق.



وهنا يأتي أمامنا عدد غير قليل من الشخصيات الشرقية: النبي "محمد"، شاه "عباس الكبير"، "تيمور الفاتح"، السلطان "سليم"، الشعراء "حافظ"، "الفردوسي"، "المتنبي"، "حاتم الطائي"، وغيرهم. في "ديوان الغرب والشرق"، يعطي هؤلاء آراءهم، مثلما تعطيها الشخصيات غير المعروفة، ابتداء من الجواهرجي والتاجر في البازار إلى الشحاذ. ويمكن القول أن الديوان – بكتبه الإثنى عشر – كان حافلاً بنماذج كثيرة وبأمثلة عديدة عن كيفية وإمكانية الحوار بين الغرب والشرق.

هذه الثقة الناضجة والمثقفة في تصورات الشرق ومعتقداته، التي أبرزها "جوته" في "ديوان الغرب والشرق"، لم يكن لها أن تظهر بدون ثقة مؤلفها فيما يكتب، وبدون إدراكه العميق لما يكتب. فكيف كان لل"ديوان" أن يظهر في الأفق، إذا لم يكن مؤلفه نفسه يتحدث بلسان الواثق المدرك بما يقول؟ بلغة أخرى، لم يكن يتسنى ل"جوته" أن يضبط تعامله مع المسائل الدينية، وأن يتحرك بثقة وبنضج بين الجد والهزل، بدون جمعه بين اليقين والإدراك. وكذلك، فإن عدم ظهور أي "نشاز" في "الديوان" كان مرجعه أساساً إلى تقديره العالي والمتميز للإسلام. ولنتذكر سوياً تلك الأشعار، التي أشار فيها "جوته" إلى "القرآن المقدس"؛ ولنقرأ معاً هذه الأبيات:

عما إذا كان القرآن أبدياً؟
فهذا لا أسأل عنه...
عما إذا كان هو كتاب الكتب
فأنا أؤمن بذلك بدافع كوني مسلم

الكثير من أبيات "الديوان" تعتمد – كما ذكرنا سالفاً – على القرآن؛ فبعض الأشعار تتشكل في نصفها الأول مما ذكره القرآن، وتتشكل في نصفها الآخر من أبيات "جوته" التي كان يُلحمها بأبيات القرآن. فعلى سبيل المثال، نجد في "كتاب المغنيين" أبياتاً أوصلها "جوته" بالسورة الأولى من القرآن (الفاتحة)، وتحديداً بالآية السادسة التي تقول: {اهدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّين }. فتقول الأبيات:

المخبولون يريدون إضلالي
ولكنك تعلم إني لا أريد الضلال
إذا تاجرت.. أو ألفت
إمنحني الصواب في طريقي

لقد استخدم "جوته" كلمة "الهدى" التي وصفها المسلمون – منذ زمن بعيد – ب"الشريعة"؛ أي الصراط المستقيم؛ وهذا هو المعنى الحقيقي لكلمة "شريعة"، التي أعيد تفسيرها مؤخراً من قبل الإسلام السياسي. ونجد في مقطع رباعي آخر نفس المزج بين آيات القرآن وبين أبيات "جوته"، معطياً دليلاً آخر عن المزج "الغربي الشرقي"؛ فها هي أبيات تلقي الضوء على السورة الثانية من القرآن (البقرة)، وتحديداً على الآية الكريمة: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ }.

لله المشرق
لله المغرب
لله أراضي الشمال والجنوب
تسكن كلها في سلام يديه

ومن هذه المقولة "الغربي الشرقي" – التي آمن بها "جوته" إيماناً عميقاً – استطاع الشاعر الألماني أن يُخرج مخطوطتين عربيتين، أظهر فيهما جمال الخط العربي؛ ذلك الخط الذي أبهره، فأكن له في نفسه منزلة عظيمة. ونحن اليوم، ندرك جيداً أن تحفز "جوته" لكتابة تلك الأبيات إنما كان ينبع – أولاً وأخيراً - من تأثره بالقرآن. وقد تعلم "جوته" الاقتباس من القرآن، واستخدامه في الشعر، من "جوزيف فون هامار" صاحب كتب "أسرار الشرق المدفونة"، التي قال في مطلعها:

{قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}(سورة البقرة)

إن "هامار" – الذي كان له دور كبير في إخراج الخط الشرقي القديم – استخدم اقتباسات القرآن ليضعها في كتبه الستة حول "أسرار الشرق المدفونة" التي ظهرت فيما بين 1809 و1818. بل إن كلمة "القرآن" قد تم وضعها من قبل "هامار" على الصفحة الأمامية – صفحة العنوان – التي تندرج تحتها الكتب الستة، والتي لابد أن تكون قد جذبت انتباه "جوته" منذ الوهلة الأولى. وقد ذكر "جوته" "أسرار الشرق المدفونة" لأول مرة – في مذكراته – في يوم 12 ديسمبر 1814.




قد كانت قناعة "جوته" بالمزيج "الغربي الشرقي" مترسخة في عقله، وفي وجدانه لدرجة أنه كان يكتب لأصدقائه الكاثوليك المتزمتين، ومنهم "بواسيريه" و"لافاتير" الذي أشرنا إليه سالفاً. فكان – على سبيل المثال – يكتب إليهما قائلاً: "أنه يومياً يتم قراءة (هومير) و(حافظ)". وبالرغم من أن هذا الكلام لم يكن يروق للصديقين الكاثوليكين المتزمتين، إلا أن "جوته" لم يكن ليعاملهما إلا بكل رفق وبشاشة؛ فأعطى لنا مثلاً حياً عن العقلية الليبرالية المتفتحة مع الشعوب والديانات الأخرى؛ أو كما نقول اليوم العقلية "العالمية" و"التعددية الثقافية".

ولم يعبأ "جوته" فقط بالشرق والغرب، وإنما عبأ أيضاً بالشمال والجنوب؛ فها هو يقول: "وكذلك الشمال مثل الجنوب لم يخف عن عينه أبداً". إن إصرار "جوته" على ذكر الجهات السماوية الأربعة في مقولته الشهيرة "لله المشرق" كان نابعاً – في الأصل – من إيمانه المتجذر في أعماقه بوحدة الخلق الإلهي؛ ومن ثم حرص "جوته" على توضيح هذه الحقيقة، وإبرازها للجميع. وفي هذا الصدد اكتشف شاعرنا الألماني رابطاً آخر بين الشرق والغرب، حيث ربط بين مقولة القرآن {ولله المشرق والمغرب} وبين رمز المسيحية في الغرب – وهو الصليب – إذ تخيل خطوط الشرق والغرب في تعارضها مع خطوط الشمال والجنوب في صورة صليب.




كذلك تصور العالم وكأنه كرة أرضية تسكن في يد الإله؛ ورمز الكرة الأرضية مترسخ في العقلية المسيحية؛ فإذا ما قسمت من قبل الخط الذي يربط بين الشرق والغرب (أو من قبل الصليب الذي يتخيله) فإنها تصير نصف دائرة، التي تمثل - مرة ثانية - علامة الهلال..رمز الإسلام. باختصار، لقد كان يرى المسيحية والإسلام كوحدة واحدة لا يفصلها شيء. وبالرغم من أن عديداً من اللوحات والصور – في القرون الوسطى – كانت تعكس توافق الدائرة مع الصليب، كرمز مسيحي للعالم، فقد كان يراه "جوته" رمزاً للوحدة.

طبعاً، لا يمكن الافتراض بأن "جوته" كان يعلم كل ذلك عند لحظة اكتشافه للقرآن؛ فالتعرف على الأجنبي مثل التعرف على الذات..تعرف طويل وشاق، تتدافع فيه آلاف المسائل مع بعضها البعض بقوة البرق؛ إلا أنه ما من شك، أن تعرف "جوته" على نفسه قد تم تلقائياً عند قراءته للقرآن؛ فكانت مقولة {لله المشرق والمغرب} هي رمز أعماله وكتاباته.

وكان مما لفت انتباه "جوته" – وكتب عنه في "ديوان الغرب والشرق" – تقليد الأحجبة الشرقية الذي أفرد له عنواناً في "الديوان". لقد تعامل مع تلك الأحجبة، واستقى معلومات حولها من الكتابات الموجودة في "أسرار الشرق المدفونة"؛ فوصفها على أنها "وريقة مكتوب عليها دائماً أدعية مخلصة ومؤمنة". وبعدها عرف أن المسلمين يهتمون بتعليقها على أجسادهم (حول العنق، أو الذراع، أو الرأس)، كنوع من الحرز ضد جميع وشتى أصناف الآلام ( هذا التقليد ليس له أي أصل في القرآن أو السنة). كان مفتوناً بذلك التقليد الشرقي العجيب الذي كان يضع وسيلة سحرية للعلاج على وريقة صغيرة. اقتنع بهذه الأحجبة، إلا أنه كان يرى – في النهاية – الحجاب الحقيقي متمثلاً في "الكلمة الطيبة" وفي "التوازن الروحي"، وأن السلام لا يتحقق إلا عند الله.





كان لل"شمال" موقع خاص في منظور "جوته" الذي ينتمي في نهاية الأمر إلى بلاده ألمانيا التي تقع في الشمال. وكما يحدث في داخل قشرة البندق، صور لنا "جوته" مسيرته الروحية، وكيف تمددت وتطورت، وكيف خرجت إلى العالم بعد احتكاكها بالشرق؛ فكانت النتيجة توصله إلى حقيقة مفادها أن الشرق والغرب قطبان يتدرجان سوياً في داخل الكون؛ وأن السلام والأمان يتواجدان عند الله مالك المشرق والمغرب. لقد اعترف شخصياً – من خلال "كتاب الأحجبة" – بأنه بالرغم من كل الآلام والشكوك التي كانت تحاصره وتفاجئه، إلا أنه استطاع العثور – في وسط كل هذا الضنك – على سلام جديد، وجده عند الإله؛ وهو الهدف الذي وضعه أمام عينيه، والذي طالما تجلى في "ديوان الغرب والشرق"، ثم بعد ذلك في "كتاب الجنة".

ولكن هل فعلاً كان "الشمال" و"الجنوب" يسكنان بسلام في قلب "جوته" وفي خلده؟ الحقيقة هي، أننا دائماً نميل إلى التحدث عن "جوته" وعن "تطوره الظاهري" بدون الالتفات إلى أعماقه، التي كانت حافلة بالصراعات والسجالات بين "الشمال" و"الجنوب"؛ بين "جوته الشمالي الألماني" وبين "جوته الجنوبي الكلاسيكي". كان يرى المسافة بين صباه وشبابه وبين تحوله إلى سن النضج والعقل؛ كان يدركها بقوة؛ وقد عكس كتابه "فاوست" في عام 1797 هذا الأمر بمنتهى الوضوح؛ كما عكس حقيقة أن هذه المسافة لا يمكن عبورها إلا من خلال الأزمات والهزات القوية. ومن ثم، فإننا لا يمكننا القول أو الافتراض بأن "الشمال" و"الجنوب" كانا يخلدان في سلام وأمان..في داخل نفسه.

فحتى لحظة كتابته ل"ديوان الغرب والشرق" كانا المفهومان يتعاركان في داخل عقله وقلبه..ويضربان بعضهما البعض بمنتهى القوة. في البداية، كان يذم "الشمال"، إلا أنه بعد اكتشافه للشرق، توازن وانضبط لديه الأمر، وتعادلت عنده المسألة، التي كان من آثارها المباشرة توجهه غير المتوقع نحو الرسامين الفطاحل في هولندا والدانمارك والسويد، الذين وصفهم من ضمن رحلته في نهري "الراين" و"الماين"، في الوقت الذي كان يحتفظ فيه بديوان "حافظ" في حقيبته. لقد ارتأى "جوته" الحقيقة؛ فوضع التضاد في قالب واحد، جاعلاً التناغم والانسجام أساس العلاقة بينهما؛ فوضع الفن "الشمالي" مع نظيره "الجنوبي" على نفس الخط. باختصار، لقد حول نفسه تجاه قانون القطبية والتدرج.

بقلم - كاترينا مومسين ترجمة - شرين حامد فهمى

الجمعة، 19 فبراير 2010

الأنثروبولوجيا هو علم الإنسان


علم الأنثروبولوجيا ...(علم الانسان)...



هذا الكائن ..الذى دائما هو مصدر التساؤلات ...و الدراسات...و التكهنات عن اصوله و جذوره..
و الذى خصه الله بسورة باسمه ألا وهى "سورة الانسان"
و الذى انزل الله سبحانه و تعالى فيه كثير من الآيات تحمل كثير و كثير من الصفات...و أنزل له أيضا كتابه الكريم ليخلق منه الانسان الكامل..
و حمل الامانة التى رفضت السماوات و الأرض حملها...

{إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} (72) سورة الأحزاب


هذا الانسان..كان دائما و لا يزال موضع تأمل و دراسة,من قبل كثير من العلوم الطبيعية و الانسانية على حد سواء.

فقد انتبه الانسان الى الفروق القائمة بين الجنس البشرى...,فشده هذا لمعرفة الطبيعة البشرية,و قاده الى دراسة و تفسير الاختلافات فى الملامح الجسمية ,و لون البشرة و العادات و التقاليد ,و الديانات و الفنون و غير ذلك من مظاهر الحياة.

و من هنا تبلورت فكرة نشأة فرع جديد من فروع المعرفة اصطلح على تسميته "بالأنثروبولوجيا".

و من هنا يأتى التساؤل..ماهى الأنثروبولوجيا؟و ماهو موضوعها؟

فى حقيقة الأمر ..و كعادة العلماء..فان التعريفات تختلف من عالم لآخر..و نبدأ بتعريف الباحثة الأمريكية "مارجريت ميدM.Mead (19.01-1079
تقول:"نحن نصف الخصائص الانسانية,و البيولوجية,و الثقافية المحلية,كأنساق مترابطة و متغيرة ,و ذلك عن طريق نماذج و مقاييس و مناهج متطورة.كما نهتم بوصف و تحليل النظم الاجتماعية و التكنولوجيا ,و نعنى أيضا ببحث الآدراك العقلى للانسان,و ابتكاراته و معتقداته ووسائل اتصاله.و بصفة عامة ,فنحن الآنثروبولوجيون نسعى لربط و تفسير نتائج دراساساتنا فى اطار نظريات التطور ,او مفهوم الوحدة النفسية المشتركة بين البشر.
ان التخصصات الأنثروبولوجية التى تتضارب مع بعضها ,هى ذاتها مبعث الحركة و التطور فى هذا العلم الجديد ,و هى التى تثير الأنتباه,و تعمل على الابداع و التجديد,هذا و تجدر الاشارة الى أن جزءا لابأس به من عمل الأنثروبولوجيين يوجه نحو القضايا العملية فى مجالات الصحة و الادارة و التنمية الاقتصادية و مجالات الحياة الأخرى".

و هنا نرى أن الانثروبولوجيين الامريكيين يهتموا بدراسة الانسان من الناحيتين العضوية و الثقافية على حد سواء.
و الأنثروبولوجيا الفيزيقيةPhysical Anthropology
تشير الى الجانب العضوى أو الحيوى من وجهة نظرهم ..بينما مصطلح الأنثروبولوجيا الثقافيةCultural Anthropology
يعنى مجموع التخصصات التى تدرس النواحى الأجتماعية و الثقافية لحياة الانسان..يدخل فى ذلك الدراسات التى تتعلق بحياة الانسان القديم(او حضارات ماقبل التاريخ),و التى يشار اليها بعلم الاركيولوجياArcheology
تتناول الانثروبولوجيا الثقافية كذلك دراسة لغات الشعوب البدائية ,و اللهجات المحلية ,و التأثيرات المتبادلة بين اللغة و الثقافة بصفة عامة..و ذلك فيما يعرف بعلم اللغوياتLinguistics
و يوجد مجالان دراسيان آخران ذوا أهمية كبيرةو هما الأثنولوجياو الاثنوجرافياEthnology &Ethnography
بالرغم من التداخل بين المصطلحين ,الا ان مصطلح الاثنوجرافيا تعنى:
الدراسة الوصفية لاسلوب الحياة و مجموعة التقاليد ,و العادات و القيم ,و الادوات و الفنون ,و المأثورات الشعبية لدى جماعة معينة ,او مجتمع معين ,خلال فترة زمنية محددة.
أما الاثنوجرافيا ,فتهتم بالدراسة التحليلية ,و المقارنة للمادة الاثنوجرافية ,بهدف الوصول الى تصورات او تعميمات بصدد مختلف النظم الاجتماعية الانسانية ,من حيث اصولها و تنوعها ...
و بهذا تشكل المادة الاثنوجرافية قاعدة أساسية لعمل الباحث الأنثروبولوجى,فالاثنوجرافيا و الاثنولوجيا مرتبطتان اذن و تكمل الواحدة الأخرى.


و دعونا نتوقف هنا لنعود مرة أخرى مع رأى الآوروبيين فى الأنثروبولجيا..
و كذلك نلقى الضوء على من يعتبرا العلماء ..أول أنثروبولوجى فى العالم..

و نرى حظ العرب و المسلمون من هذا العلم الذى يرتبط بالانسان و ارتباطا وثيقا...



--


تعريف اخر


تعنى كلمة الأنثروبولوجيا حرفياً: (علم الإنسان). ولما كان الهدف النهائي لمعظم الدراسات الإنسانية والعلوم الاجتماعية – وخاصة علم النفس وعلم الاجتماع – دراسة الإنسان أيضاً، صارت الأنثروبولوجيا كعلم مستقل في حاجة إلى تعريف أدق. فهي: ذلك الفرع من دراسة الإنسان الذي ينظر إلى الإنسان من حيث علاقته بمنجزاته. ومع ذلك فالأنثروبولوجيا تعنى في معظم أجزاء أوروبا: بيولوجيا الأجناس أو الأنثروبولوجيا الطبيعية. وذلك نتيجة الانشطار الذي حدث في علم الأنثروبولوجيا الشامل السابق. ويختلف عن هذا وذاك تمام الاختلاف مفهوم الأنثروبولوجيا الذي كان مستخدماً في الفلسفة قديماً، حيث كان يدل على علم النفس.

وقد كان (راخ Rauch أول من استخدم مصطلح (أنثروبولوجيا). لأول مرة بمدلول مختلف عن معناه السيكلوجي السابق، وذلك في عام 1841 وقد حدده على النحو التالي: (موضوع الأنثروبولوجيا هو دراسة المؤثرات الخارجية التي يخضع لها العقل، والتغييرات التي تتم فيه بمقتضاها) وقد أسست أول الجمعيات الأنثروبولوجية في أربعينات القرن الماضي.

وتوجد الأنثروبولوجيا اليوم بمعناها الواسع في البلاد الأنجلوسكسونية – وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية – ومعظم بلاد العالم خارج قارة أوروبا والاتحاد السوفيتي ولعله يحسن أن نعرض فيما يلي لبعض التعريفات التي وضعها العلماء الأمريكيون: يقول بواس Boas: (تدرس الأنثروبولوجيا الإنسان ككائن اجتماعي. ويشمل موضوع دراستها جميع ظواهر الحياة الاجتماعية الإنسانية، دون تحديد زمني أو مكاني).

ويقول كروبر Kroeber: (الأنثروبولوجيا هي علم دراسة جماعات الناس وسلوكهم وإنتاجهم) وهي (أساساً علم خاص بدراسة التاريخ  الطبيعي لمجموع أوجه النشاط البشري التي أصبحت منجزاتها الراقية في المجتمعات المتمدنة، - ومن زمن بعيد – ميداناً للعلوم الإنسانية. هذا على الرغم من أن الهدف والمنهج الأنثروبولوجي طبيعي naturalistic حتى عند تطبيقه على المادة البشرية أو ما دون البشرية ويعرفها لينتون Linton وهيرسكوفيتس Herskovits بأنها: - (دراسة الإنسان وأعماله).

وهكذا تهدف الأنثروبولوجيا إلى فهم الإنسان من خلال دراسة عدة ميادين علمية قد تكون مستقلة (كما هو الحال في الدول الإسكندنافية على سبيل المثال) ولكنها متصلة بعضها ببعض أيضاً، يجمعها علم واحد، وهناك قسمان رئيسيان للأنثروبولوجيا هما: (الأنثروبولوجيا الطبيعية، والأنثروبولوجيا الثقافية. ويندرج تحت القسم الثاني ميادين: الإثنوجرافيا، والإثنولوجيا، وفي بعض الأحيان أيضاً ما لم تكن مستقلة عنها بعض الشيء – الآثار، والفولكلور واللغويات والأنثروبولوجيا الاجتماعية. وهنا يتساءل الإنسان عن سبب جمع هذه الميادين بالذات؟ ويسلم (لينتون) بأن تعريفه للأنثروبولوجيا  (سوف يشمل بعض العلوم الطبيعية وجميع العلوم الاجتماعية. ولكن الأنثروبولوجيين يعدون – بناء على اتفاق ضمني بينهم – أن ميادين دراستهم الأساسية هي: دراسة الأصول البشرية. وتصنيف الأنواع البشرية، ودراسة حياة الشعوب التي تعرف باسم الشعوب (البدائية). والحقيقة أن سبب هذا الاختيار – الذي قد يبدو تعسفياً – لموضوعات الدراسة سبب تاريخي محض. فقد كان على الأنثروبولوجيا أن تبدأ كعلم غير متجانس، عبارة عن تكديس يضم جميع تلك الموضوعات التي كانت تعتبر في أربعينات وخميسينات القرن الماضي قادرة على إثراء معرفتنا بالإنسان، وقد ظل هذا الحشد من الموضوعات باقياً، إلى جانب بعض الإضافات الهامة (من جانب: بواس، وبرينتون Brinton، وسابير Sapir وغيرهم).

وتتمتع الأنثروبولوجيا – برغم تنوع الموضوعات – بتكامل متين، وذلك بفضل وحدة هدفها، وقد أعلن أحد دارسي الأنثروبولوجيا (وهو: تاكس Tax) أنه مقتنع بأن (التكامل يزداد ولا يتناقص، إذ لم يحدث أبداً في أي مكان أن قُيد معنى كلمة أنثروبولوجيا، على حين يحدث العكس باستمرار بفضل الاتصالات الدولية). ويرى مؤلف هذا القاموس أن الاتصالات بين العلماء من ميادين مختلفة عن موضوع الإنسان هي أحسن وسيلة من أجل تحقيق التكامل الحديث للأنثروبولوجيا.


----

نظرة اخرى


علم الإنسان هو الدراسة العلمية للإنسان وللثقافة الإنسانية ويعرف بالأنثروبولوجيا، يبحث الأنثروبولوجيون في فنون الحياة الملائمة التي يتعلمها الناس ويشاركون فيها باعتبارهم أعضاء في مجموعات اجتماعية، كما أنهم يقومون بفحص الخصائص التي يشترك فيها البشر باعتبارهم أعضاء نوع واحد في الطرق والعادات المنوعة التي يعيشون بها في البيئات المختلفة. إنهم يحللون أيضًا منتجات الجماعات الاجتماعية (الأشياء المادية والمبتكرات الأقل مادية مثل القيم والاعتقادات).



مفهوم الأنثروبولوجيا‏ :
إنّ لفظة أنثروبولوجيا Anthropology، هي كلمة إنكليزية مشتقّة من الأصل اليوناني المكوّن من مقطعين : أنثروبوسAnthropos ، ومعناه " الإنسان " و لوجوس Locos، ومعناه " علم ". وبذلك يصبح معنى الأنثروبولوجيا من حيث اللفظ " علم الإنسان " أي العلم الذي يدرس الإنسان .‏

علم الإنسان أو الأنثروبولوجيا :
هو علم يهتم بكل أصناف وأعراق البشر في جميع الأوقات، وبكل الأبعاد الإنسانية. فالميزة الأساسية التي تميز علم الإنسان بين كافة المجالات الإنسانية الأخرى هو تأكيده على المقارنات الثقافية بين كافة الثقافات. هذا التميز الذي يعتبر أهم خاصيات لعلم الإنسان، يصبح شيئا فشيئا موضوعَ الخلافِ والنِقاش، عند تطبيق الطرقِ الأنثروبولوجية عموماً في دراسات المجتمعِ أو المجموعات. من أهم علماء الانثروبولوجيا ، ايفانس بريتشارد ورادكلف براون وليفي شتراوس وروث بندكت وماكريت ميد وغيرهم.
http://www.55a.net/images/1/planet.jpg
فروع علم الإنسان :
تتضمن الفروع الرئيسية لعلم الإنسان مايلي: علم الإنسان الطبيعي، وعلم الآثار، وعلم الإنسان اللغوي وعلم الإنسان الثقافي وعلم الإنسان الاجتماعي. وهي فروع كثيراً ما تتداخل وتتشابك. فمثلاً، يَدْرس علماء الآثار وعلماء الأنثروبولوجيا الثقافية الكثير من الملامح الثقافية ذاتها. وبينما يركز علماء الآثار على دراسة الحضارات السابقة، فإن علماء علم الإنسان الثقافي ينشغلون أساساً بالحضارات المعاصرة. إضافة إلى خاصية أخرى، هي أن علم الإنسان التطبيقي يستلزم التطبيق العملي للمحاولات الأخرى.

في الولايات المتحدة الامريكية، يقسم علم الإنسان بشكل تقليدي إلى أربعة حقول:
علم الإنسان الحيوي: يتطرق هذا الفرع إلى تحليل تنوع جسم الإنسان في الماضي والحاضر على حد السواء. وبالتالي فهو يدرس التطور الجسماني للإنسان بالإضافة إلى العلاقات بين الشعوب الحالية وتأقلمها مع محيطها. تطرّق هذا العلم في بعض الأحيان إلي دراسة تطور الرئيسيات وكان يسمى علم الإنسان الطبيعي مع وجود اختلافات في المفاهيم.
علم الإنسان الطبيعي physical anthropology ، الذي يدرس الرئيسيات primatology ، و تطور النوع البشري human evolution، وعلم الوراثة الجماعي population genetics ؛ هذا الحقلِ يدعى أيضاً أحياناً علم الإنسان الحيوي biological anthropology .
علم الإنسان الثقافي cultural anthropology ، (و يدعى علم الإنسان الإجتماعي social anthropology في المملكة المتحدة والآن في أغلب الأحيان يعرف بعلم الإنسان الثقافي-الإجتماعي socio-cultural anthropology ). المجالات التي درست من قبل علماء الإنسانيات الثقافيين تتضمن شبكة العلاقات الإجتماعية، الإنتشار البشري diffusion ، السلوك الاجتماعي، القرابات الاجتماعية ، القانون، السياسة، العقيدة ideology ، الدين، الإعتقادات، الأنماط في الإنتاجِ والإستهلاك، التبادل، التربية، الجنس الاجتماعي gender ، وممارسات الشعوب الأخرى في الثقافةِ، مع التأكيد القويِ على أهمية العمل الميداني، وبمعنى آخر: المعيشة بين المجموعةِ الإجتماعيةِ التي تُدْرَسَ لفترة زمنية طويلة.
علم الإنسان اللغوي linguistic anthropology ، الذي يدرس الإختلاف في اللغة عبر الوقت والمكانِ، الإستعمالات الإجتماعية للغة، والعلاقة بين اللغة والثقافة.
علم الآثار archaeology ، الذي يدرس البقايا المادية للإنسانِ في المجتمعات. علم الآثار يعتَبر علما بحد ذاته يَفصل كحقل دراسة مستقل، بالرغم من أنه وثيق الصلة مع الحقلِ الأنثروبولوجي من حيث دراسة الثقافة المادية material culture ، التي تَتعامل مع الأجسامِ الطبيعية التي خَلقت أَو إستعملت ضمن مجموعة حية راهنة أَو ماضية كمحاولة لفهم قيمها الثقافية.

المجالات الرئيسية لعلم الإنسان
علم الإنسان اللغوي يدرس أساليب استخدام اللغة وطرقها عند الشعوب ذات الثقافات المختلفة.
علم الآثار دراسة رواسب وبقايا الثقافات الماضية.
علم الإنسان الثقافي يتناول أصول، وتطور، ووظائف الثقافات الإنسانية.
علم الإنسان البيئي يهتم بكيفية توافق الناس مع بيئتهم والكيفية التي تؤثر بها البيئة في الثقافة.
علم الإنسان الاقتصادي يركز على الطرق التي تلجأ إليها الشعوب مختلفة الثقافات لإنتاج وتوزيع السلع.
علم الإنسان الوصفي الوصف العلمي لمختلف الجماعات الاجتماعية والثقافية.
علم الإنسان الطبيعي ويسمى أيضًا علم الإنسان الإحيائي أو الحيوي، وهو دراسة الخصائص الحيوية للكائنات البشرية.
علم الإنسان السياسي يهتم بطرق اتخاذ القرارات وحل الاختلافات داخل نسق سياسي معين.
علم الإنسان النفسي يدرس الكيفية التي تتدخل بها الثقافات المختلفة في تشكيل الشخصيات الفردية.
علم الإنسان الاجتماعي يبحث العلاقات الاجتماعية في داخل الجماعات الإنسانية

وسوف نعرض لكم علمين ببعض التفصيل :
علم الإنسان اللغوي.
يُحلل علم الإنسان اللغوي الطرق التي يستخدم بها الناس اللغة في المجتمعات المختلفة. فيحاول العلماء اكتشاف الروابط بين لغة الناس والجوانب الأخرى لثقافتهم. ففي اللغة الإندونيسية، على سبيل المثال، تتضمن كثير من التّعابير الإشارة إلى المركز الاجتماعي للشخص الذي يُخَاطب في الحديث. كما أن للبيوت وغيرها من الأشياء أسماءها المختلفة وذلك بناء على مرتبة الشخص الذي هو طرف الحديث عنها. ويعكس هذا الاستخدام للغة الأهمية البالغة التي تمثلها الطبقة الاجتماعية في الثقافة الإندونيسية.

وتشمل الموضوعات الأخرى التي يدرسها علماء علم الإنسان اللغوي الكلام الرسمي وغير الرسمي، وأشكال التخاطب، والإهانات، والدعابات. كما يحلل هؤلاء الخبراء تراكيب اللغات غير المكتوبة.

أما علماء علم الإنسان الذين يُعرفون بعلماء الأعراق البشرية، فيدرسون الكيفية التي تعكس بها الكلمات وتعاريفها وتصنيفاتها آراء الناس في بيئتهم ومجتمعهم؛ فالنوير ـ وهم أفراد قبيلة سودانية ـ لديهم كثير من الكلمات لألوان وعلامات الماشية. كما توضح مفرداتهم أهمية الماشية في طريقة حياتهم.

وتَكشِف الطرق التي تصنف بها الثقافات المختلفة تلك الأشياء كالحيوانات والنباتات والأقارب عن الطريقة التي ينظرون بها إلى العالم؛ فاللغة الإنجليزية تَستخدم نفس الكلمة (uncle) للإشارة إلى الخال أو العم وزوج أخت كلا الوالدين، أي زوج الخالة وزوج العمة. بينما توجد في بعض اللغات، كاللغة العربية والتركية مثلاً، كلمة خاصة بكل من هؤلاء الأقارب. ومثل هذه الكلمات تُبين الاختلافات في الأدوار وفي أنواع السلوك التي يتوقعها الناس في الثقافات المختلفة من هؤلاء الأقارب.



علم الإنسان الثقافي.

هو دراسة الثقافة الإنسانية. ويقوم علماء علم الإنسان الثقافي، مثل علماء الآثار، بدراسة الأعمال الفنية، والمنازل، والأدوات والمنتجات المادية الأخرى لثقافة من الثقافات. كما يكرّسون جانباً كبيرًا من بحثهم لدراسة عناصر الثقافة غير المادية، بما في ذلك الموسيقى، والمعتقدات الدينية، والرموز، والقيم.
ويتخصص بعض علماء علم الإنسان في الميادين المنوعة لعلم الإنسان الثقافي. ويبحث علماء علم الإنسان البيئي في كيفية انسجام المجتمع مع بيئته، والكيفية التي تؤثر بها البيئة في ثقافة المجتمع. ويدرس علماء علم الإنسان النفسي الكيفية التي تتشكل بها الشخصيات الفردية بوساطة الثقافات المختلفة وكيف يتعلم الأطفال المشاركة في ثقافتهم.


علم الإنسان الثقافي ((الإنثربولوجيا الثقافية)) من فروع علم الإنسان العام, ويهتم بدراسة الثقافة من جوانبها المختلفة حيث يركز على دراسة بناء الثقافات البشرية وأدائها لوظائفها في كل زمان ومكان. يهتم دارس علم الإنسان الثقافي بجميع الثقافات لأنه يسهم في الكشف عن استجابات الناس نحو مشكلات الحياة والعمل ومن أهم عناصر الثقافة اللغة, ويرجع الفضل إلى العالم إدوارد تايلور في نشأة هذا الفرع وتطوره وتنظيم موضوعاته في إطار واحد ينتظم حول الثقافة, ولعل التعريف الذي قدمه""تايلور""لا يزال سائداً حتى يومنا هذا على الرغم من ظهوره عام1878 ويذهب تعريف الثقافة إلى أنها: ذلك الكل المركب الذي يضم المعرفة والعادات والمعتقدات والأخلاق والفن والقانون, وأية قدرات أخرى يكتسبها الإنسان باعتباره عضواً في المجتمع وفي ضوء هذا التنوع والكثرة التي تشتمل عليها الثقافة فإن علم الإنسان الثقافي يضم الفروع التالية "الأثنولوجيا "الأركيولوجيا"علم اللغويات" .

لمعرفة اكثر ادخل على ويكييديا

http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B9%D9%84%D9%85_%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%86%D8%B3%D8%A7%D9%86


جمع لكم هذة المادة / الامير امير شهريار حسن الدين