المتابعون

الثلاثاء، 24 أغسطس 2010

كتاب فلسفة التاريخ

قبل أن تقع الأحداث، هي بانتظار اللحظة التي ستقع فيها، ولحظة وقوعها تدخل في مكونات الحاضر، وعندما يمر زمان على وقوعها، تصبح شيئا من الماضي، وهذا هو التاريخ، لذا فإن التاريخ يمثل الماضي والحاضر والمستقبل، ورغم أهمية التاريخ لا يزال كـ(علم) يعاني في مواطن عديدة من اشكاليات تمنعه عن الوصول إلى الحقيقة أو التصريح بها، فيرى المختصون أن التاريخ الإسلامي يعيش في أجواء مرتبكة ومشوشة ويرجعون ذلك إلى أسباب من أهمها: ان معظم الذين يكتبون التاريخ يعملون كأفراد لا كمؤسسات مثلما يتطلبه هذا العلم الصعب والمتفرع، كما أن من أخطر المؤثرات السلبية في كتابة الحقائق التاريخية هو تحكم ذات الكاتب والمؤرخ في نسج التاريخ وحسب ما تملي عليه أهواؤه ونزواته الفكرية ومراهقته الانتمائية.

من وسط تلك الأزمة العلمية والمهنية في قراءة التاريخ تبرز أهمية كتاب (فلسفة التاريخ) لسماحة الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي (أعلى الله درجاته) الذي يتناول بدراسة تحليلية في المناهج والآليات التي تبحث في حقائق التاريخ وانعكاساتها على واقعنا المعاش من أجل صياغة المستقبل مؤكداً سماحته (قدس سره) من خلال هذه الدراسة التفصيلية أن موضوع التاريخ لمفرده هو علم مستقل ولمجموعه يدخل في نطاق الفلسفة، فالمؤرخ إنما يؤرخ للذين دخلوا التاريخ ولعبوا دوراً فيه.

إن ما يعطي هذا التاب أهمية أكبر رؤية سماحة المؤلف إلى التاريخ التي يستبعد فيها ما يسير عليه بعض الباحثين في التاريخ من إن التاريخ علم يقتصر على الجانبين السياسي والعسكري إذ يرى (قدس سره) أن التاريخ مشهد يستحضر المجموع سواء أكانوا شخصيات أو حضارات أو أدياناً أو حروباً أو غير ذلك.

يؤكد سماحة السيد المؤلف ان التحول في العصر الحديث من تاريخ الأفراد إلى تاريخ الحضارات ليس معناه أن تاريخ الأفراد صار منسياً، لأن الاستفادة العلمية الكاملة لا تكون إلا عبر قراءة الجانبين, وهو ما عليه بعض العلماء, فقد اتخذ هذا الـ ( بعض ) التاريخ والفلسفة معاً معياراً للعلم، فلهم علم التاريخ ولهم فلسفة التاريخ, وهو ما يضفي على الكتاب أبعاداً علمية وقيمية تستقرأ التاريخ علماً ومنهجاً وعبراً ودروساً وتراثاً وحاضراً ومستقبلاً.


مسألة: من الضروري للباحث في التاريخ أن يعرف الفرق بين علم التاريخ وفلسفته)، فالعلم ـ بما هو علم ـ عبارة عن المفردات أو المجموعات السطحية الظاهرة من اقتصادية، أو سياسية، أو اجتماعية، أو تربوية، أو ما أشبه.
أمّا الفلسفة، فهي عبارة عن الروح العامة الدارجة في كلّ ذلك في أي بعد من أبعاد الحياة، مثلاً العوائل هي مفردات لعائلة زيد، وعائلة علي، وعائلة خالد، وهكذا. فالعلم، بأنْ يعلم كلّ إنسان كيف يصنع كلّ واحد مع زوجته وأولاده، وكيف تصنع الزوجة والأولاد مع أبيهم، أو كيف يصنع الأقرباء بعضهم مع بعض، بالنسبة إلى عائلة بني تميم، أو بني كلاب، أو بني ضبّة، أو ما أشبه ذلك.
أمّا الفلسفة، فهي عامّة بالنسبة إلى كلّ العوائل، فيؤخذ في الفلسفة المشتركات بينها، ويترك الخصوصيات حال ذلك حال الجنس أو النوع في الاصطلاح المنطقي. فالمنطقي لا ينظر إلى هذا الفرد الجزئي وتلك ـ كالشاة، أمّا المؤرّخ فهو ينظر إلى كلّ واحدة مفردة عن الأخرى، وإنّما المنطقي يأخذ حال الجزئي ـ الشاة مثلاً ـ بالنسبة إلى النوع، ولذا قال الحاج السبزواري:
فلازم للفيلسوف المنطقي *** أن ينظر اللفظ بوجهٍ مطلق
وليس المراد باللفظ بما هو لفظ وإنما اللفظ بما هو مثال، وهكذا حال الجنس الشامل للجزئيات المختلفة للبقر، والشاة، والمعز، وغير ذلك. وهكذا الحال بالنسبة إلى مختلف الجزئيات لغير الحيوان ـ مثلاً، فتاريخ هذه الشجرة، وتلك الشجرة، علمٌ، أمّا بالنسبة إلى تاريخ المجموع سواء كان نوع البرتقال، أو جنس الشجرة، فهو جنسٌ، وهكذا يكون حال الخاصّ، والعرض العام باصطلاح المنطقيين، فقد يتكلّم حول مال زيد أو قبح عمرو، وهكذا بالنسبة إلى خالد، وبكر، أو غيرهم. أمّا بالنسبة إلى الفلسفي؛ فينظر إلى الجمال في أشخاص جميلين بقول مطلق، أو إلى القبح في هذا وذاك بقول مطلق.
هذا بالنسبة إلى الخاصّة وبالنسبة إلى العرض العامّ هكذا على ما ذكروه في بحث الكلّيّات الخمسة سواء ما ذكروه في الفقه، أو في الفلسفة، أو في الحكمة، أو في غيرها.
والحاصل: أنّ موضوع التاريخ، لمفرده، علم مستقل، ولمجموعه يدخل في نطاق الفلسفة، فالمؤرّخ إنّما يؤرّخ للذين دخلوا التاريخ، ولعبوا دوراً فيه، وحرّكوا مساره، سواء دخلوا التاريخ للإفساد كفرعون(، وهتلر، وستالين، أو دخلوا التاريخ للإصلاح، كما فعل الأنبياء والمصلحون، ولا فرق في ذلك بين الساسة، والقادة، والعلماء، والفلاسفة، والمفكّرين، والشعراء، والمخترعين، وأصحاب الصناعات والحرف.
ولا يقتصر التاريخ والفلسفة على الجانبين السياسي والعسكري، أو جانب ثالث، أو جانب رابع، أو ما أشبه ذلك، بل بالنسبة إلى المجموع من حيث المجموع سواء كانوا شخصيات، أو حضارات، أو أدياناً، أو حروباً، أو غير ذلك، ولذا فلكلّ من العلماء الذين ذكروا المفردات، والفلاسفة الذين ذكروا الروح العامّة للتاريخ، فضلٌ كبير بالنسبة إلى العلم والأجيال الآتية، فإنّ التحوّل في العصر الحديث من تاريخ الأفراد إلى تاريخ الحضارات ليس معناه أنّ تاريخ الأفراد صار منسيّاً؛ لأنّ الاستفادة تكون من الجانبين، فقد يكون بعض العلماء قد اتّخذ التاريخ والفلسفة معاً معياراً للعلم، فلهم علم التاريخ، ولهم فلسفة التاريخ.

كتاب فلسفة التاريخ

المؤلف: الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي (أعلى الله درجاته)

طباعة: دار القارئ للطباعة والنشر والتوزيع.

الناشر : مؤسسة الوعي الإسلامي للتحقيق والترجمة والطباعة والنشر (بيروت – لبنان)

الطبعة : الثانية (1425 هـ - 2005).

القطع : كبير

عدد الصفحات: 398

عدد الطبعات :1

سنة الطبع : 1423 هـ /2002م


لتحميل الكتاب


http://www.alshirazi.com/compilations/history/pdf_zip/falsafa_altareekh.zip

هناك 3 تعليقات: